سورة البقرة

الوجه السابع عشر : الإشارة إلی نکت ولطائف إفرادیة تحتوی علیها الآیات الآیات الثلاث

الوجه السابع عشر

‏ ‏

الإشارة إلـی نکت ولطائف إفرادیـة

‏ ‏

‏تحتوی علیها الآیات الثلاث‏

‏ ‏

‏1 ـ فی تعریف «الـصالـحات» وتنکیر «الـجنّات» وتعریف «الأنهار»‏‎ ‎‏وتنکیر «أزواج»، مع کونها من الـمجموع ـ مضافاً إلـی صنعـة اللفّ والـنشر‏‎ ‎‏الـخاصّ ـ إشعاراً أحیاناً بأنّ الأعمال الـصالـحـة الـخاصـة لا الـصالـحـة‏‎ ‎‏بحسب الـمشتهیات الـنفسانیـة دخیلـة فی أن یکون لهم جنّات، فإنّ هناک‏‎ ‎‏لیست الـجنّات محتاجـة إلـی الـتعریف، بل هناک دار الـعرفان والـمعرفـة،‏‎ ‎‏وتعریف الأنهار لإحداث الارتباط بین تلک الـجنّات وهذه الأنهار، وهکذا‏‎ ‎‏تنکیر الأزواج.‏

‏2 ـ تنکیر «ثَمَرَةٍ» و«رِزْقاً» لاقتضاء الـمقام؛ لأنّ الـمنظور فی الـکلام‏‎ ‎‏أمر آخر، فلایستدعی الـبحث تعریفهما.‏

‏3 ـ فی توصیف الأزواج بالـمطهّرة وحذف جهـة الـتطهیر، إشعار بأنّ‏‎ ‎‏الـطهارة مطلقـة، ولیست مخصوصـة بالـطهارة من الـذنوب أو الأدناس‏‎ ‎‏والأرجاس، أو الـصفات الـنسائیـة والإنسانیـة والـحیوانیـة؛ لأنّ الـدار دار‏‎ ‎‏الـطهر والـطاهرات.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 58
‏وتوهّم: أنّ «مطهّرة» مُشعرة بنجاستهم ولآمتهم الـجسمیـة والـروحیـة‏‎ ‎‏بدواً، ثمّ طهرنَ عنهما‏‎[1]‎‏ فی غیر محلّـه، بل هی إشارة أحیاناً إلـیٰ أنّ الـطهارة‏‎ ‎‏عرضیـة لهم، ولیست ذاتیـة.‏

‏4 ـ فی قولـه: ‏‏«‏هَذَا الـَّذِی‏»‏‏ استعارة لشدّة الـمشابهـة بین ما رأوه قبل‏‎ ‎‏ذلک، وبین ما یرونـه فی الـجنّات؛ بناء علیٰ بعض الـتفاسیر، کما لایخفیٰ.‏

‏وحذف متعلّق کلمـة «قَبْلُ» ربّما کان لعدم الـحاجـة إلـی ذکره بعد‏‎ ‎‏وضوح الـمرام عند أهلـه، فإنّ الـمؤمنین یُرزقون ما فی الـجنّـة من قبلُ،‏‎ ‎‏ولایشعرون بذلک، ولایعلمون حقیقـة الأمر، فتدبّر.‏

‏5 ـ تنکیر «مثلاً» ثمّ تأکید إبهام هذه الـنکرة بـ«ما» الإبهامیـة، ثمّ تنکیر‏‎ ‎‏«بعوضـة»، وتأکید ذلک الإبهام بذلک کلّـه، فیـه اللطف وإشعار بأنّ موهونیـة‏‎ ‎‏الأمر غایتها، وصغارة الـقصّـة نهایتها، لایوجب صرف الـتخطیط والـتحویل‏‎ ‎‏عن الـخریطـة الـمتطوّرة، وهی هدایـة الـبشر.‏

‏6 ـ نسبـة الـعلم إلـیٰ الـذین آمنوا، ونسبـة الـقول إلـیٰ الـذین کفروا،‏‎ ‎‏بمناسبـة الـسِّنخیـه الـموجودة بین الإیمان والـعلم، والـکفر والـقول، فإنّ‏‎ ‎‏الـقول الـمقابل بالـعلم، هو الـقول الـجُزاف والـتفوّه الـمحض بلاعمل وعلم.‏

‏7 ـ توجیـه الاُمّـة الإسلامیـة إلـیٰ الـربوبیـة الأحدیـة فی هذه‏‎ ‎‏الـمعرکـة بقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏أنّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ‏»‏‏ الـمتکفّل بخروجهم من‏‎ ‎‏الـظلمات المختلف قشورها إلـیٰ الأنوار الـمتراکم ضیاؤها، لطف جدید آخر،‏‎ ‎‏وبلاغـة حدیثـة من وجوه الـبلاغـة الإفرادیـة فی هذه الآیات الـشریفـة.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 59
‏8 ـ نسبـة الـنقض إلـیٰ الـعهد لأجل الاستعارة والادّعاء الـمرکوز فی‏‎ ‎‏الـبین، وهو أنّ الـعهد أمر مبرَم ومشد، ویقبل الانفصام والـتجزّی والانقسام،‏‎ ‎‏ویقبل الـکسر، وکأنّـه شیء خارجی واقعی لابدّ من الـمحافظـة علیـه من‏‎ ‎‏الـخلل والـدثور، وفی الإتیان بالـفعل الـمضارع إشعار بأنّ هذه الـحالات ـ‏‎ ‎‏وهو الـنقض والـقطع والـفساد ـ من الـحالات الاکتسابیـة، الـحاصلـة من‏‎ ‎‏سوء الـسریرة والـصنائع وسوء الـمعاشرة والأعمال، وأنّهم دأبهم ودیدنهم‏‎ ‎‏ذلک.‏

‏9 ـ فی عدّهم من الـخاسرین الـذین خسروا فی تجارتهم ومعاملتهم؛‏‎ ‎‏بتضیـیع رؤوس أموالـهم وفطرتهم وسجیّتهم وإبطال وجودهم، فی قبال ما‏‎ ‎‏اکتسبوه من الـعصیان والإثم، إعلام ببرکات الإسلام وربح کسبهم باللحوق‏‎ ‎‏واللصوق بالـمسلمین، والـکفر والإلحاد وخسارتهم.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 60

  • )) راجع روح المعانی 1 : 205.