سورة البقرة

البحث الثانی : تکلیف الکفّار والفسّاق بالفروع

البحث الثانی

‏ ‏

تکلیف الکفّار والفسّاق بالفروع

‏ ‏

‏إنّ الـمراد من الـفاسقین فی قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏إِلاَّ الْفَاسِقِینَ‏»‏‏ إمّا‏‎ ‎‏الـکافرون فقط؛ لمناسبـة الآیات معـه، ولذهاب جمع إلـیٰ اصطلاح جدید فی‏‎ ‎‏الـقرآن، کما هو الأظهر، وقد مرّ، أو یکون أعمّ.‏

‏وعلیٰ کلّ تقدیر یکون الآیـة الـمتأخّرة من أوصاف الـفاسقین، وأنّهم‏‎ ‎‏لایجوز لهم قطع ما أمر اللّٰه بـه أن یوصل، ولایجوز لهم نقض عهد اللّٰه‏‎ ‎‏والإفساد فی الأرض، فیکون الـکفّار مکلّفین بالـفروع کالاُصول، خلافاً‏‎ ‎‏لجماعـة من أصحابنا الأخباریـین‏‎[1]‎‏ وطائفـة من الاُصولیـین‏‎[2]‎‏.‏

‏ولایتوقّف الاستدلال علیٰ کون الـنقض والـقطع حرامین؛ حتّیٰ یقال‏‎ ‎‏بعدم حرمتهما الـشرعیـة کما مضیٰ، بل مقتضیٰ قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏مَا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 68
أَنْ یُوصَلَ‏»‏‏ کونهم مورد الأمر.‏

‏وقد قال الـشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ فی «الـتبیان»: وقال قتادة: قولـه: ‏‏«‏وَ یَقْطَعُونَ مَا‎ ‎أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ‏»‏‏قطیعـة الـرحم والـقرابـة، وقیل: معناه الأمر بأن یوصل‏‎ ‎‏کلّ من أمر اللّٰه بصلتـه من أولیائـه، والـقطعُ: الـبراءة من أعدائـه. وهذا أقویٰ؛‏‎ ‎‏لأنّـه أعمّ من الأوّل‏‎[3]‎‏. انتهیٰ.‏

وبالجملة:‏ تحصّل أنّ الآیـة الـثالـثـة تشهد علیٰ أنّ الـفسّاق مورد‏‎ ‎‏الـتکلیف بالـنسبـة إلـیٰ فعل من الأفعال؛ إمّا الـوصل، أو الـقطع، وعلی کلّ‏‎ ‎‏تقدیر یثبت تکلیفهم بالـفروع فی الـجملـة فی قبال الـنفی الـمطلق؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ الـفروع هی الـتکالـیف الـفعلیـة، والاُصول هی الـتکالـیف الـقلبیـة.‏

ومن هنا یظهر‏ وجـه الـمناقشـة فی الـقول: بأنّ الـمراد من عهد اللّٰه هو‏‎ ‎‏الـتوحید والـرسالـة، والـمراد من الـقطع قطع ما ثبت لـه بالأدلّـة من‏‎ ‎‏الـتوحید والـنبوّة، والـمراد من الأمر بالـوصل هو الأمر بالاتّصال بالـتوحید،‏‎ ‎‏وهو أمر قلبیّ، لاعملیّ خارجیّ. انتهیٰ.‏

‏ضرورة أنّ اختصاص الـمراد بلاوجـه، مع أنّ الأمر والـوصل والـقطع‏‎ ‎‏ظاهرة فی الاُمور الـخارجیـة. اللهمّ إلاّ أن یقال: ظهور الـسیاق أقویٰ من هذه‏‎ ‎‏الاُمور، والـضرورة حاکمـة علیٰ أنّ الآیات راجعـة إلـیٰ الـمسائل‏‎ ‎‏الاعتقادیـة، فلاحظ وتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 69

  • )) اُنظر الفوائد المدنیة : 226، والوافی، الفیض الکاشانی 1: 20، والحدائق الناضرة 3: 39ـ44.
  • )) راجع حول المسألة بتفصیلها إلیٰ تحریرات فی الاُصول 5 : 318 ومابعدها.
  • )) راجع تفسیر التبیان 1 : 122 .