البحث الثالث
دلالة مادّة الأمر علی الوجوب
من الـمسائل الـخلافیـة بین علمائنا الاُصولیـین، مسألـة ظهور مادّة الأمر فی الـوجوب وعدمـه، فذهب الـوالـد الـمحقّق إلـیٰ الأوّل مستدلاًّ بالـتبادر، والـعلاّمـة الأراکی ـ قدّس سرّه ـ إلـیٰ أنّـه لمطلق الـطلب.
ومن هذه الآیـة یستفاد أنّ مادّة الأمر للإیجاب، فإنّ قولـه تعالـیٰ: «یَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ»ظاهر فی أنّ ما أمر اللّٰه بـه هو الـواجب بالـضرورة، فیکون الأمر دلیلاً علیٰ الـوجوب، و تکون مادّة الأمر ظاهرة فیـه.
والـذی تحرّر عندنا فی الاُصول: أنّ الـبحث الـمذکور غلط؛ ضرورة أنّ مادّة الأمر لیست موضوعـة إلاّ لصیغـة الأمر بما لها من الـمعنیٰ، والـوجوب أو الـطلب الـمطلق من معانی الـصیغـة، ولیس مادّة الأمر موضوعـة لـه، فإذا قال اللّٰه تعالـیٰ: «مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ»، فلایتبادر منـه إلاّ أنّ اللّٰه تعالـیٰ أوجب الـوصل بإحدیٰ الـوسائل، کصیغـة الأمر؛ من غیر کون مادّة الأمر موضوعـة للوجوب أو لمطلق الـطلب، وهکذا قولـه تعالـیٰ: «فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ»، فإنّ الـمنصرف من «أمر ربّـه» هو الـصیغـة الـمتعلّقـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 70
بمادّة الـصلاة والـصوم والـحجّ وغیر ذلک، وتلک الـصیغـة: إمّا تدلّ علیٰ الـوجوب، أو الـندب، أو الأعمّ، أو لاتدلّ علیٰ شیء علیٰ خلاف فی محلّـه.
فاستفادة کون مادّة الأمر للوجوب من هذه الآیـة وأمثالـها، محلّ منع جدّاً. نعم یصحّ الإنشاء بالـمادّة، وهو بحث أجنبی عن هذه الـمسألـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 71