مسألة أصالة الحظر وأصالة الإباحة
وأیضاً یستدلّ بهذه الآیـة الـکریمـة علیٰ أنّ فی الـمسألـة الـخلافیـة بین الاُصولیـین، یکون الـحقّ مع الـقائلین بأصالـة الإباحـة دون من یقول بأصل الـحظر؛ ضرورة أن الأشیاء کلّها مخلوقـة لبنی آدم ومباحـة لهم، فنحتاج للمنع إلـیٰ دلیل خاصّ.
فبالـجملـة: الإباحیون الـزنادقـة یستدلّون بها علیٰ أنّ الـکلّ للکلّ، والإباحیون الـفقهاء استدلّوا بها علیٰ أنّ الأصل ذلک، وخرج ما خرج، ولزوم الـتخصیص الـکثیر بالـعناوین ممّا لابأس بـه؛ لتعارفـه فی الـقوانین، بعد کون الـباقی تحت الـمطلق أیضاً کثیر جدّاً.
أقول: فی جمیع هذه الـتسویلات نظر واضح واحد وهو أنّ أمثال هذه الآیات من قبیل الـحدیث الـمشهور: «یابن آدم خلقتُ الأشیاء لأجلک وخلقتُک لأجلی»، أو خطاباً إلـیٰ الـرسول الأعظم الإسلامی صلی الله علیه و آله وسلم، فإنّ اللام هنا لیس إلاّ للغایـة من الـخلقـة؛ لرجوع منافع الأشیاء وفوائدها إلـیهم؛ من غیر نظر إلـیٰ مسألـة تشریعیـة تحلیلیـة وإباحیـة، بل هی آیـة تفید مسألـة کونیـة ومقصوداً تکوینیاً، فیکون ما لأجلـه الـحرکـة هو الإنسان وما لأجلـه الإرادة والـخلقـة ـ مثلاً ـ هو الإنسان والـمجتمع الـبشری.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 154
فالاستدلال ـ مثلاً ـ بهذه الآیـة علیٰ حلّیـة أکل الأرنب من سوء الـفهم، فإنّ الأرنب خُلق لنا؛ لما فی وجوده دفع مضرّة عنّا أو نفع إلـینا، وهذا نظیر الـتمسک بقولـه تعالـیٰ: «أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الأَنْعَامِ» لجواز الـتصرّف فی بهیمـة الـغیر، فإنّ الآیـة بصدد تحلیل الـبهائم فی قبال ما یحرم أکلـه ذاتاً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 155