سورة البقرة

المسألة الثالثة : حول إعادة المعدوم

المسألة الثالثة

‏ ‏

حول إعادة المعدوم

‏ ‏

‏من الـمسائل الـخلافیـة حدیث إعادة الـمعدوم فقد ذهب الـمتکلّمون‏‎ ‎‏ـ إلاّ من شذّ ـ إلـیٰ جوازه‏‎[1]‎‏، والـفلاسفـة إلـیٰ امتناعـه‏‎[2]‎‏، ومن الـغریب أن‏‎ ‎‏الـفخر استحسن الـضرورة لمدّعاه، مع کثرة تشکیکاتـه‏‎[3]‎‏ وشبهاتـه، تبعاً‏‎ ‎‏للشیخ الـرئیس ـ شریکنا فی الـرئاسة ـ حیث ادّعیٰ الـضرورة‏‎[4]‎‏.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 166
‏فأکثر الـمتکلّمین إلـیٰ جوازه، وربّما یؤمئ إلـیـه قولـه تعالـیٰ:‏‎ ‎‏«‏یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ‏»‏‏ فإنّ الإماتـة والـموت هو تفرّق الأجزاء وفناء الـبدن‏‎ ‎‏والـصورة الـقائمـة بـه، فإذا انمحت الـشخصیـة الـقائمـة بالـصورة‏‎ ‎‏وانعدمت، فلابدّ من تجویز الإعادة؛ لأنّـه الـمُعاقَب والـمُثاب، فلابدّ من عوده‏‎ ‎‏بشخصـه، ولذلک یقال: ‏‏«‏یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ‏»‏‏ مع وحدة الـمُخطاب فی‏‎ ‎‏الـخطابین، فما هو الـعائد عین الـغالـب، فالـمعاد والـمبتدأ واحد.‏

‏أقول: یجوز أن یستند إلـی الـتقریب الـمذکور لنفی کون الإنسان إنساناً‏‎ ‎‏بالـصورة الـحالّـة فی الـمادّة؛ وذلک للزوم کون الـمعاد غیر الـمبتدأ، فکیف‏‎ ‎‏یصحّ الـعقاب والـعتاب، وقد تبرهنوا علی الامتناع ببراهین محرّرة فی‏‎ ‎‏«قواعدنا الـحکمیـة»، والـمسألـة لاتحتاج إلـیها، بل من یقول بالـجواز یکون‏‎ ‎‏غافلاً عن أطراف الـقضیّـة، وإلاّ فالـعاقل أعزّ شأناً من أن یَفُوهَ بمثلـه.‏

‏ومن الـبدیهی أنّ ما هو الـمعاد یجوز أن یکون مستأنفاً بعد عدم بقاء‏‎ ‎‏شیء محفوظ بینهما مقوّم لهما، فعلیـه تکون الـمسألـة ضروریـة.‏

‏وأمّا الآیة الشریفة فهی لاتدلّ علیٰ حقیقة الموت، بل الاستدلال المذکور‏‎ ‎‏یتمّ بضمّ مفهوم الموت وتفسیره الـباطل إلـیها، وقد تبیّن فیما سبق: أنّ الموت‏‎ ‎‏لیس تفرّق الأجزاء وتبدّل الـصورة وفناءها بعد کونها معنیً حالاًّ فیها، بل هو‏‎ ‎‏الانتقال من الـدنیا إلـیٰ وعاء آخر، برفض الـمادّة الـمُسانخـة مع الـدنیا.‏

‏ومن الـغریب توهّم بعض أرباب الـکشف: أنّ الإحیاء الـثانی هو‏‎ ‎‏الإعادة فی هذه الـدنیا، ثمّ بعد ذلک ‏‏«‏إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ‏»‏‎[5]‎‏، ولعلّـه اشتباه فی‏‎ ‎


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 167
‏الـنقل وغلط فی الـفهم أو قصور فی الـکشف.‏

‏ولو کان مفاد الآیـة ما تخیّلـه لیکون الـرجعـة لکلّ أحد، مع أنّها‏‎ ‎‏لجماعـة خاصّـة، ولیست الـرجعـة إلاّ بالـمعنیٰ الـذی یساعد علیـه الـنقل‏‎ ‎‏والـعقل، والـتشبّث بأخبار الآحاد فی هذه الـمسائل الـعقلیـة والاعتقادیـة،‏‎ ‎‏غیر جائز عند علمائنا الاُصولیـین، بل والـظواهر فی هذه الـمواقف موکولـة‏‎ ‎‏إلـیٰ أهلـه، دون الـعقول الـسوقیـة، والأفهام الـبدویـة، ولایُقاس فقـه اللّٰه‏‎ ‎‏الأکبر بفقـه اللّٰه الأصغر، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 168

  • )) راجع شرح المقاصد 5:82 ـ 88 ، وشرح المواقف 8 :289، وشوارق الإلهام 1 : 127.
  • )) راجع الشفاء (قسم الإلهیات): 298، والأسفار 1: 353 ـ 364، والمطارحات، مجموعة مصنّفات شیخ إشراق 1: 214 ـ 217.
  • )) راجع المباحث المشرقیة 1 : 138.
  • )) راجع الشفاء (قسم الإلهیات) : 298، والمباحث المشرقیة 1 : 154.
  • )) راجع الفتوحات المکّیة 3: 24، تفسیر القرآن الکریم، صدر المتألهین 2: 257، والأسفار 9: 147.