المسألة الثالثة
حول إعادة المعدوم
من الـمسائل الـخلافیـة حدیث إعادة الـمعدوم فقد ذهب الـمتکلّمون ـ إلاّ من شذّ ـ إلـیٰ جوازه، والـفلاسفـة إلـیٰ امتناعـه، ومن الـغریب أن الـفخر استحسن الـضرورة لمدّعاه، مع کثرة تشکیکاتـه وشبهاتـه، تبعاً للشیخ الـرئیس ـ شریکنا فی الـرئاسة ـ حیث ادّعیٰ الـضرورة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 166
فأکثر الـمتکلّمین إلـیٰ جوازه، وربّما یؤمئ إلـیـه قولـه تعالـیٰ: «یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ» فإنّ الإماتـة والـموت هو تفرّق الأجزاء وفناء الـبدن والـصورة الـقائمـة بـه، فإذا انمحت الـشخصیـة الـقائمـة بالـصورة وانعدمت، فلابدّ من تجویز الإعادة؛ لأنّـه الـمُعاقَب والـمُثاب، فلابدّ من عوده بشخصـه، ولذلک یقال: «یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ» مع وحدة الـمُخطاب فی الـخطابین، فما هو الـعائد عین الـغالـب، فالـمعاد والـمبتدأ واحد.
أقول: یجوز أن یستند إلـی الـتقریب الـمذکور لنفی کون الإنسان إنساناً بالـصورة الـحالّـة فی الـمادّة؛ وذلک للزوم کون الـمعاد غیر الـمبتدأ، فکیف یصحّ الـعقاب والـعتاب، وقد تبرهنوا علی الامتناع ببراهین محرّرة فی «قواعدنا الـحکمیـة»، والـمسألـة لاتحتاج إلـیها، بل من یقول بالـجواز یکون غافلاً عن أطراف الـقضیّـة، وإلاّ فالـعاقل أعزّ شأناً من أن یَفُوهَ بمثلـه.
ومن الـبدیهی أنّ ما هو الـمعاد یجوز أن یکون مستأنفاً بعد عدم بقاء شیء محفوظ بینهما مقوّم لهما، فعلیـه تکون الـمسألـة ضروریـة.
وأمّا الآیة الشریفة فهی لاتدلّ علیٰ حقیقة الموت، بل الاستدلال المذکور یتمّ بضمّ مفهوم الموت وتفسیره الـباطل إلـیها، وقد تبیّن فیما سبق: أنّ الموت لیس تفرّق الأجزاء وتبدّل الـصورة وفناءها بعد کونها معنیً حالاًّ فیها، بل هو الانتقال من الـدنیا إلـیٰ وعاء آخر، برفض الـمادّة الـمُسانخـة مع الـدنیا.
ومن الـغریب توهّم بعض أرباب الـکشف: أنّ الإحیاء الـثانی هو الإعادة فی هذه الـدنیا، ثمّ بعد ذلک «إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ»، ولعلّـه اشتباه فی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 167
الـنقل وغلط فی الـفهم أو قصور فی الـکشف.
ولو کان مفاد الآیـة ما تخیّلـه لیکون الـرجعـة لکلّ أحد، مع أنّها لجماعـة خاصّـة، ولیست الـرجعـة إلاّ بالـمعنیٰ الـذی یساعد علیـه الـنقل والـعقل، والـتشبّث بأخبار الآحاد فی هذه الـمسائل الـعقلیـة والاعتقادیـة، غیر جائز عند علمائنا الاُصولیـین، بل والـظواهر فی هذه الـمواقف موکولـة إلـیٰ أهلـه، دون الـعقول الـسوقیـة، والأفهام الـبدویـة، ولایُقاس فقـه اللّٰه الأکبر بفقـه اللّٰه الأصغر، فتدبّر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 168