بقی شیء : حول نفی عالم الذرّ
وهو أنّ قولـه تعالـیٰ: «أَمواتاً»ربّما یُشعر بإنکار الـکینونـة الـسابقـة للأشیاء بل فیـه إشعار برفض عالـم الـذَّرّ الـذی هو قبل عالـمنا. هذا حسب الـنصّ والـشهرة والإجماع.
کما أنّ فی قولـه تعالـیٰ: «ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ» إشعاراً بعدم وجود الإماتـة بعد الإحیاء الـثانی، مع أنّ قولـه تعالـیٰ: «ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ» إشعار بالإماتـة بعد تلک الـحیاة.
وبالـجملـة: هل بعد الـحیاة الـبرزخیـة موت أم لا؟
قضیـة الـعقل والـنقل عدم وجود الـموت؛ لبقاء الـنفوس، فلا إحیاء، والـذی یسهّل الـخطب ما هو الـحقّ فی معنیٰ الـموت والـحیاة، فإنّ أصل الـوجود لیس من الـحیاة فی هذه الآیات وإن کانت الـحیاة عین الـوجود تساوقاً لاترادفاً، ولکن الإحیاء هنا غیر الإیجاد من الـعدم الـمطلق، بل الإماتـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 177
والإحیاء هما بالإضافـة إلـیٰ تعلّق الـنفس بالـبدن وعدمـه، فما دام لم تلج الـنفس یکون الـموت حاصلاً، فإذا فارقت الـنفس الـبدن یحصل الـموت، وإذا ولج فیـه الـروح یکون من الأحیاء، فالإماتـة والإحیاء تطوّرات حول هذه الـقضیّـة، فلا منافاة بین الـکینونـة الـسابقـة وبین الإحیاء، کما لا منافاة بین الـحیاة الـبرزخیـة الـباقیـة وبین الإحیاء؛ برجوع تلک الأنفس إلـیٰ الأبدان علیٰ الـوجـه الـمحرّر من الـرجوع، فالـرجوع إلـیـه تعالـیٰ دائمیّ، وکلّ شیء فی قوس الـصعود راجع إلـیـه تعالـیٰ من الـمادّة والـهیولیٰ الأولیٰ الـتی هی مقتضی الـفیض الـنزولی، ومبدأ الـفیض الـصعودی، وهذا الـرجوع الـخاصّ للنفس إلـیٰ الـبدن عند وجود شرائطـه، فلا موت بمعنیٰ عدم الـوجود، ویکون هناک موت؛ بمعنیٰ الـفراق الـحاصل الـمنتهی أمره وزمانـه برجوع الـنفس إلـیٰ الـبدن الـمسانخ معها، فلیلاحظ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 178