سورة البقرة

بقی شیء : حول نفی عالم الذرّ

بقی شیء : حول نفی عالم الذرّ

‏ ‏

‏وهو أنّ قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏أَمواتاً‏»‏‏ربّما یُشعر بإنکار الـکینونـة الـسابقـة‏‎ ‎‏للأشیاء بل فیـه إشعار برفض عالـم الـذَّرّ الـذی هو قبل عالـمنا. هذا حسب‏‎ ‎‏الـنصّ‏‎[1]‎‏ والـشهرة والإجماع.‏

‏کما أنّ فی قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ‏»‏‏ إشعاراً بعدم‏‎ ‎‏وجود الإماتـة بعد الإحیاء الـثانی، مع أنّ قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ‏»‏‎ ‎‏إشعار بالإماتـة بعد تلک الـحیاة.‏

وبالـجملـة:‏ هل بعد الـحیاة الـبرزخیـة موت أم لا؟‏

‏قضیـة الـعقل والـنقل عدم وجود الـموت؛ لبقاء الـنفوس، فلا إحیاء،‏‎ ‎‏والـذی یسهّل الـخطب ما هو الـحقّ فی معنیٰ الـموت والـحیاة، فإنّ أصل‏‎ ‎‏الـوجود لیس من الـحیاة فی هذه الآیات وإن کانت الـحیاة عین الـوجود‏‎ ‎‏تساوقاً لاترادفاً، ولکن الإحیاء هنا غیر الإیجاد من الـعدم الـمطلق، بل الإماتـة‏‎ ‎


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 177
‏والإحیاء هما بالإضافـة إلـیٰ تعلّق الـنفس بالـبدن وعدمـه، فما دام لم تلج‏‎ ‎‏الـنفس یکون الـموت حاصلاً، فإذا فارقت الـنفس الـبدن یحصل الـموت،‏‎ ‎‏وإذا ولج فیـه الـروح یکون من الأحیاء، فالإماتـة والإحیاء تطوّرات حول هذه‏‎ ‎‏الـقضیّـة، فلا منافاة بین الـکینونـة الـسابقـة وبین الإحیاء، کما لا منافاة بین‏‎ ‎‏الـحیاة الـبرزخیـة الـباقیـة وبین الإحیاء؛ برجوع تلک الأنفس إلـیٰ الأبدان‏‎ ‎‏علیٰ الـوجـه الـمحرّر من الـرجوع، فالـرجوع إلـیـه تعالـیٰ دائمیّ، وکلّ‏‎ ‎‏شیء فی قوس الـصعود راجع إلـیـه تعالـیٰ من الـمادّة والـهیولیٰ الأولیٰ‏‎ ‎‏الـتی هی مقتضی الـفیض الـنزولی، ومبدأ الـفیض الـصعودی، وهذا الـرجوع‏‎ ‎‏الـخاصّ للنفس إلـیٰ الـبدن عند وجود شرائطـه، فلا موت بمعنیٰ عدم‏‎ ‎‏الـوجود، ویکون هناک موت؛ بمعنیٰ الـفراق الـحاصل الـمنتهی أمره وزمانـه‏‎ ‎‏برجوع الـنفس إلـیٰ الـبدن الـمسانخ معها، فلیلاحظ.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 178

  • )) راجع الدّر المنثور 3 : 141 ـ 145.