سورة البقرة

الوجه الخامس : حول التأکید بـ‌‌«إنّ» فی الآیة

الوجه الخامس

‏ ‏

حول التأکید ب «إنّ» فی الآیة

‏ ‏

‏فی الإتیان بالـجملـة الاسمیـة الـمؤکَّدة بـ «إنّ» تبلیغ لترغیم أنف‏‎ ‎‏الـملائکـة اللاتی ترون بحثهم، وکأنّهم کانوا محاجّین فی ذلک من الـبلاغـة‏‎ ‎‏نهایتها؛ حتّیٰ یتبیّن لهم أنّ الأمر قاطع لجاجهم، والـجعل قطعیّ لا محیص عنـه،‏‎ ‎‏فلا یصدر منهم ما لایناسب الـربوبیـة الإلهیـة الـعالـمـة بجمیع الـجهات،‏‎ ‎‏وتکون کافیـة وکافلـة لاُمّهات الـمصالـح والـمفاسد.‏

‏ولذلک کأنّهم عدلوا عن الـعصیان والـطغیان والاعتراض والإیراد إلـیٰ‏‎ ‎‏اغتنام الـفرصـة الـتی أباحت لهم الـمکالـمـة مع الـرَبّ الـودود الـعالـم‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 224
‏بالـخیر والـشرّ، والـمناجاة مع إلٰـه الـعالَم الـخالق لکلّ شیء؛ بصورة‏‎ ‎‏الـسؤال وبشکل الاستفهام متذکّرین؛ لما کان عندهم من الاطّلاع، فإنّه‏‎ ‎‏الـمتعارف بین الـعبید والـموالـی، فإنّه إذا کان أحد لا یحبّ الـشریک فی‏‎ ‎‏الـشیء یشتهی مَنْع وجوده بأیّ نحو أمکن، فیتوسّل بأیّـة وسیلـة ـ ولو بإبراز‏‎ ‎‏ما هو الـواضح عند الـجاعل الـعالـم ـ إلـی الـدفع والـمنع بذکر مساوئـه ولو‏‎ ‎‏کانت فیـه الـمحاسن أیضاً، وبذکر محاسنـه ولو کانت فیـه الـمساوئ‏‎ ‎‏والـجهالات، فیقول: ‏‏«‏أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ‎ ‎بِحَمْدِکَ ونُقَدِّسُ لَکَ‏»‏‏.‏

‏وفی ذلک کمال إبراز الـعشق للربّ ونهایـة إظهار الـحبّ فی الله بالله ؛‏‎ ‎‏نظراً إلـیٰ أنّـه یلزم الأمر الـفاسد فی الـنظام الـمحبوب لهم؛ لأنّـه نظام الله ‏‎ ‎‏وخلقـة الله ، ففی هذا إلابراز والـسؤال ـ مضافاً إلـیٰ أنّـه لیس سوء أدب‏‎ ‎‏بحسب طینتهم وجِبِلّتهم ـ نهایـة الـتعشّق لله الـعظیم والـشغف بخلقـه وفعالـه‏‎ ‎‏الـمحمودة جدّاً؛ جاهلین عن الـحوادث الآتیـة والـمسائل الـمترقّبـة،‏‎ ‎‏والـجهل عذر عقلی وعرفی وشرعی، فحفاظاً علیٰ طهارة الـعالَم عن الأدناس‏‎ ‎‏یسألون الله تعالیٰ عن جعلـه. واُجیبوا: بأنّ من وراء هذه الـدناسـة والـقذارة‏‎ ‎‏مصالـح عالـیـة وراء ما سیتخیّلونـه ویظنّونـه، فإنّ بعض الـظنّ إثم.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 225