عصیان الملائکة
اختلفوا فی أنّ الـملائکـة یعصون الله : فجمهور الـعلماء الـفطنین إلـیٰ عدم عصیانهم، وذهبت الـحشویـة إلـی جواز عصیانهم، بل وقوعـه، واستدلّوا لذلک بآیات کثیرة، وأهمّها قولـه تعالـیٰ: «أَتَجْعَلُ فِیَها» فإنّ توجیـه الاعتراض إلـیـه تعالـیٰ وذکر سوء الـخلق؛ بأنّهم یُفسدون ویَسْفکون، ومدح أنفسهم بالـتسبیح والـتقدیس، حرام، مع أنّهم أبرزوا الـشکّ فی حکمـة الله وعلمـه واعتمدوا علیٰ الـظنّ، مع أنّ الـظنّ لایُغنی من الـحقّ شیئاً، ویشهد لجمیع ذلک اعتذارهم بقوله: «لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا» فإنّ الاعتذار یشهد علیٰ صدور الـخلاف عنهم.
وبالـجملـة قضایا هاروت وماروت وقصّـة إبلیس ـ وهو من الـملائکـة ـ تشهد علیٰ مقالـتهم خذلهم الله تعالـی.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 232
والذی هو التحقیق: أنّ الـملائکـة اصطلاح فی الـکتاب الإلهی عن خَلْقٍ، وربّما یمکن أن یعبّر عن أفراد من الإنسان بالـملائکـة، فإنّ الـشیطان من الإنس والـجنّ، وشیاطین الإنس والـجنّ مذکورة فی الـکتاب، والـملائکـة أیضاً من هذا الـقبیل، کما یظهر فی محلّـه إن شاء الله تعالـی.
فعلیٰ هذا لا حاجـة إلـیٰ نفی قول الـحشویـة علیٰ الإطلاق، ولا إلـی إثبات رأی سائر الـعلماء علیٰ إطلاقـه، بل الـملائکـة أصناف وربّما یُطلق علیهم «الـعباد»، کمـا فی قولـه تعالـیٰ: «بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ* لاَیَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُـمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ»، مع أنّ الـعبد لا یُطلق ـ حسب اللغـة ـ علیٰ غیر آحاد الإنسان، فتلک الـملائکـة الـمقدّسون، ربّما تکون من جنس آدم أو الـجنّ أو غیرهما من الـمجرّدات الـمحضـة، وفیهم الـمُهَیمِنـة الـوالـهون حـول عرش ربّهم.
وغیر خفیّ أنّ الـقول بالـتفصیل لیس خرقاً للإجماع؛ لذهاب الـشعرانی إلـیـه، والـمتّبع هو الـبرهان، وقد عرفت منّا: أنّ هذه الـطائفـة کانت فیها الـجنبتان: الأرضیـة الـظلمانیـة الـمادّیـة اللطیفـة، والـسّماویـة الـنورانیـة الـموحیٰ إلـیهم أحیاناً، ومن الـقسم الـثانی الـذین یخافون ربّهم من فوقهم، ویفعلون ما یؤمرون، والـذین لا یعصون الله ما أمرهم ویفعلون ما یُؤمرون، وأعظم شأناً منهم من لا یسبقونـه بالـقول وهم بأمره یعملون.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 233