المسألة الأولیٰ
کیفیّة خلق آدم
إنّ من الـمحرّر فی محلّـه: أنّ جمیع الـموجودات الـمرکبـة الـطبیعیـة، مقرونـة بالـمادّة والـمدّة، وحاصلـة من الـحرکـة ومن الـمبادئ الـسابقـة والـعلل الإعدادیـة الـتی تنتهی إلـیها، وتوجب صلاح مادّة الشیء لفیضان الـصورة الـکمالـیـة فی قبال الـموجودات الإبداعیـة والاختراعیـة، فعلیٰ هذا یشکل الأمر لأجل أنّ هذا الـمجعول فی الأرض ـ الـمعروف باسم آدم ـ من الـمجاعیل الـمنتسبـة إلـیـه تعالـیٰ بلا سبق الـحرکـة والـمادّة، وبلا سبق الـنظام الـعامّ والـقانون الـکلّی فی الـعلل والـمعالـیل؛ ضرورة أنّ هذا الـمجعول غیر مسبوق بالأب والاُم، فکیف یمکن الالتزام بوجوده حسب الـوجود الـکائن والـموجودات الـکائنـة علیٰ الاصطلاحات الـفلسفیـة، فهو أشبـه بالـمخترعات، وإن لم یکن من الـمبدعات والـمجرّدات بالـضرورة، والالتزام بـه غیر ممکن، کما هو واضح عند أهلـه.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 238
ولو کان الـمراد من هذا الـمجعول معنیً یُشبـه سائر الـمجاعیل الـطبیعیـة، ویکون إسناده إلـیـه تعالـیٰ کإسناد سائر الـمصوَّرات والـموالـید إلـیـه تعالـیٰ، فلا یُخصّ هذا الـجعل بآدم، بل کلّ آدم وجمیع بنی آدم مجعول الله فی الأرض ومخلوقـه حسب الـقانون الـعامّ.
أقول: لا شبهـة فی أنّ الأرض من الـحوادث فی هذا الـعالَم، وفی هذا الـجوّ من الـنظام الـشمسی والـنظام الـکلّی، ولا شبهـة فی أنّها أسبق وجوداً علیٰ وجود هذا الـمجعول بالـضرورة، وقد مرّت علیها الأزمان والأحیان، وتصرّمت الـدهور وانقضت الـعصور؛ حتّیٰ وجد فیها موجود یسمّیٰ بالإنسان، وعلیٰ هذا یتوجّه الإشکال علیٰ جمیع ذوی الشعور وأرباب الفهم وأصحاب العقول، ویتوجّـه الـسؤال عن کیفیـة حصولـه.
وغیر خفیّ: أنّ إرجاع حصولـه إلـیٰ سائر الـحیوانات، لا یورث حلّ الـمعضلـة لنقل الـکلام إلـیٰ الـحیوان الأوّل، وسیمرّ علیک الـبحث حول هذا الـجهـة إن شاء الله تعالـی.
وبالجملة: ما فی هذه الآیـة من جعل الـخلیفـة فی الأرض، لا یلزم أن یکون متّحداً مع ما فی قولـه تعالـیٰ فی الآیـة الآتیـة: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ»؛ لاحتمال کون الـمتعلّم للأسماء من أولاد تلک الـخلیفـة، وهو الـظاهر کما مرّ، فالـبحث عن تطوّرات آدم الـمتعلّم وکیفیـة خلقتـه، غیر الـبحث عن هذا الـمجعول فی الأرض الـمسؤول عنـه فی سؤال الـملائکـة والـمنسوب إلـیـه الإفساد والـسَّفْک، فلا تخلط.
وبالأخَرة تبیّن: أنّ هذه الآیة ناظرة إلـیٰ کیفیـة وجود آدم الأوّل، وأنّه لایستند إلـی آدم آخر، بل هو مستند إلـیٰ جعل الله تعالـیٰ، وهذا ممّا یشکل
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 239
أمره ویریب جدّاً؛ لأنّ حصول آدم الأوّل لو کان من جهـة اجتماع الـشرائط اللازمـة الـمعدّة والـدخیلـة للزم ذلک فی الأحیان والـعصور الـمتأخّرة، مع أنّـه أمر غیر معهود، ولا معنیٰ لاختصاص تلک الـشرائط بعصر دون عصر ومصر دون مصر هذا أوّلاً.
وثانیاً: لا یکون أمراً خارجاً عن قانون الـعلّیـة والـمعلولیـة، وعن الـنظام الـکلّی الـساری والـنافذ فی الـعالـم.
ولأجل ذلک صارت هذه الـمسألـة من الـمعاضل والـمشاکل الـعلمیـة، وأنّـه هل آدم الأوّل غیر مسبوق بآدم، أم لا؟ وأنّـه هل یکون مسبوقاً بحیوان متبدّل إلـیـه تدریجاً، أم من جنس آخر کالـجنّـة والـملائکـة الـذین یشبهون الـجنـة والأناسی فی الـتوالـد والـتناسل، وذهبت الـعقول إلـیٰ مذاهب شتّیٰ، وصارت صرعیٰ، ولأجل ذلک یقع الـبحث هنا فی مراحل
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 240