سورة البقرة

المرحلة الخامسة : حول وحدة آدم الأوّل وآدم المعلّم

المرحلة الخامسة : حول وحدة آدم الأوّل وآدم المعلّم

‏ ‏

‏المعروف بین أرباب الظاهر وأصحاب والحدیث الظاهر أنّ آدم الذی‏‎ ‎‏جعله الله فی الأرض شخص آدم الذی علّمه الله الأسماء کلّها، وهذه عندنا‏‎ ‎‏غیرتمام؛ ضرورة أنّ هذه الآیة ظاهرة بل صریحة فی نسبة السفک والفساد إلیٰ‏‎ ‎‏ما یجعله الله فی الأرض، وآدم الذی علّمه الله لو کان شخص ذلک فهو من النسبة‏‎ ‎‏الباطلة البعیدة عن ساحة الملائکة، وکلّ ذی أدب وشعور.‏

‏وهذا مع أنّ هذه الآیة لیس فیها بحث عن اسم آدم ، فیجوز أن یکون من‏‎ ‎‏نسل آدم المجعول فی الأرض آدمُ علّمه الله الأسماء کلّها، وهذه لا ینافیه معذرة‏‎ ‎‏الملائکة عن اعتراضهم بحسب الصورة حتّیٰ یقال : إنّ ما فی الآیات الآتیة هو‏‎ ‎‏الـمجعول الـشخصی، مع أنّ آدم الأوّل کان مبدأ تکوّن الأوادم الاُخر، وفیهم آدم‏‎ ‎‏الـذی علّمـه الله الأسماء کلّها؛ بناءً علیٰ کونـه شخصیاً، وسیمرّ علیک فی ذیل‏‎ ‎‏الآیات الاُخر قصّـة آدم الـمتعلّم للأسماء إن شاء الله تعالـیٰ.‏

‏فتحصّل إلـیٰ الآن: مضافاً إلـیٰ أنّ الـمستفاد من الـکتاب الـعزیز، لیس‏‎ ‎‏أنّ آدم خلقـه من الـتراب کخلق الأوانی والـظروف، الـتی یصنعها الـصانع‏‎ ‎‏ویطبخها الـطبّاخ والـحجّار، مع ما فیـه من تلک الـدقائق والـرقائق، وخروج‏‎ ‎‏عن سُنّـة الله ولن تجد لسُنّـة الله تبدیلاً، وأنّ آدم الـمجعول فی الأرض لیس‏‎ ‎‏ثابتاً أنّـه من الـتطوّر عن الأجسام إلـیٰ الـنباتات، ومن الـنباتات إلـیٰ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 250
‏الـحیوانات ومن الـحلقات الـموجودة فی کلّ واحدة من هذه الـطوائف إلـیٰ‏‎ ‎‏الـحلقـة الأخیرة، ثمّ إلـیٰ الأشباه والـنظائر حتّیٰ وجد آدم من الـجماد‏‎ ‎‏الـمتطوّر طیلـة الـمئات والـسنوات الـنوریـة، ولا یخصّ قانون الـنشوّ‏‎ ‎‏والارتقاء بما تخیّلـه أصحابـه، بل هو لو صحّ لکان أعمّ، ولا یکون هو مخلوقاً‏‎ ‎‏من الـتراب، کما یزعمـه أصحاب الـظاهر من الـمنتحلین لإحدیٰ الـدیانات،‏‎ ‎‏بعد إمکان کونـه من الـکرات الاُخر للحضارة الـتی کانت فیها، وهذا هو‏‎ ‎‏الـمؤیّد بما عرفت من الـروایات، الـمنسوبـة إلـیٰ أئمّة الـحقّ علیهم الـسلام:‏‎ ‎‏أنّ آدم الـمجعول غیر آدم الـمتعلّم شخصیاً ولو کانا من نوع واحد.‏

ومن الـجدیر بالـذکر:‏ أنّ الـعلوم الـعصریـة تؤیّد هذه الـمقالـة من‏‎ ‎‏جهات کثیرة وأمّا أنّ الـبراهین الـعقلیـة تقتضی امتناع قانون الـتطوّر وحدیث‏‎ ‎‏الـنشوء والارتقاء؛ لأنّ مقتضیٰ أرباب الأنواع وربّات الـطبائع الـعقلیـة‏‎ ‎‏الـعرْضیـة والـعقول والأنوار الاسفهبدیـة، وجود فرد من الأفراد دائماً فی‏‎ ‎‏عالـم الـطبیعـة، فهی ولو کانت صحیحـة، ولکن لا یُنافیها وجود فرد من‏‎ ‎‏الـطبائع فی کُرة من الـکُرات، وحصول فرد آخر من الـتطوّر فی کُرة الأرض‏‎ ‎‏من غیر استناد إلـیٰ ذاک الـفرد مع ما ذکرنا فی «قواعدنا الـحکمیـة» من‏‎ ‎‏الـمناقشات علیٰ مقالـة أرباب الأنواع والـعقول الـعَرضیـة.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 251