سورة البقرة

المسألة الثالثة : أقربیّة السبب الأخیر إلی المعلول

المسألة الثالثة

‏ ‏

أقربیّة السبب الأخیر إلی المعلول

‏ ‏

‏فی نسبـة الـجعل إلـیـه تعالـیٰ ونسبـة الـسفک والـفساد إلـی‏‎ ‎‏الـمجعول، وهکذا نسبـة الـتسبیح والـتقدیس إلـیٰ الـملائکـة، شهادة علیٰ أنّ‏‎ ‎‏الأفعال مستندة إلـیٰ فواعلها الـقریبـة، وتومئ الآیـة الـشریفـة إلـیٰ أنّ‏‎ ‎‏الـملائکـة أقرب إلـیٰ الـتسبیح والـتقدیس لله تعالـی والـمجعول فی الأرض‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 255
‏سبب الإفساد والـسفک دونـه تعالـیٰ، فتکون الآیـة شاهدة علیٰ بطلان مرام‏‎ ‎‏الأشاعرة، بل والـفلاسفـة من الإسلامیـین الـقائلین: بأنّ الـسبب الأوّل أقرب‏‎ ‎‏إلـیٰ الـمفعول من الـسبب الـثانی؛ لأنّ الأعدام الـمتصوّرة بالـنسبـة إلـیٰ‏‎ ‎‏الـمفعول الأخیر، قد انسدّت بالـسبب الأوّل والـثانی، وأمّا الـعدم الـمتوجّـه‏‎ ‎‏إلـیٰ الـمعلول والـمفعول من ناحیـة عدم الـعلّـة والـسبب الـثانی، فلا ینسدّ،‏‎ ‎‏إلاّ بالـسبب الأوّل، فالـفعل الأخیر أقرب من الـعلّة الاُولیٰ بالـضرورة.‏

‏ثمّ إنّ من الـتسبیح والـتقدیس، یثبت کمال المبدأ الأعلیٰ واجدیتـه لکلّ‏‎ ‎‏کمال وجمال، وأنّـه لا یشوبـه الـنقص ولا یطرأ علیـه شائبـة الـتشبیـه فجمیع‏‎ ‎‏الـصفات الـکمالـیـة ثابتـة لـه تعالـیٰ، وکلّ الأوهام الـناقصـة الـتحدُّدیـة‏‎ ‎‏والـتجسُّمیـة مسلوبـة عنـه تعالـیٰ بالـسلب الـمحصّل الأزلی الأبدی، وقد‏‎ ‎‏أشرنا إلـیٰ أنّ الـتسبیح بالـحمد غیر الـتسبیح الـبسیط، فإنّ الأوّل مضافاً‏‎ ‎‏إلـیٰ الـسلوب الـمذکورة، یشتمل علیٰ الإیجابات الـکمالـیـة، وتصیر‏‎ ‎‏الـنتیجـة: بساطتـه الـمطلقـة ووجدانـه لکلّ کمال، فلا یعقل تصویر کمال‏‎ ‎‏لموجود من الـموجودات إلاّ وهو ثابت لـه، وإلاّ فیلزم أن یکون إطلاق‏‎ ‎‏التسبیح والـتقدیس فی غیر محلّـه، فالآیـة شاهدة ـ من هذه الـجهـة ـ علیٰ‏‎ ‎‏هذه الـمسألـة الـراقیـة الـعقلیـة، الـتی تضمّنت مسائل کثیرة ذات ثمرات‏‎ ‎‏عدیدة.‏

وأمّا حلّ المشکلة المشار إلیها:

‏فهو أوّلاً:‏‏ یمکن من جهـة أنّـه مقول قول طائفـة من الـملائکـة غیر‏‎ ‎‏الـعارفین بالله حقّ عرفانـه؛ ضرورة أنّ الـملائکـة مختلفـة فی هذه الـجهـة،‏‎ ‎‏کما أنّ أفراد الإنسان متفاوتـة، وربّما یزداد معرفـة الإنسان علیٰ معرفـة‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 256
‏الـملائکـة أحیاناً.‏

وثانیاً:‏أنّ قضیّـة الأدب فی الـکلام نسبـة الـسَّفْک إلـیٰ الـعلّـة‏‎ ‎‏الـقریبـة الـمسانخـة معـه، وحیث إنّهم یریدون توضیح کمالـهم ونقصان ذلک‏‎ ‎‏الـمجعول فلابدّ أن یسندوا الـتسبیح إلـیٰ أنفسهم والـتقدیس إلـیٰ ذواتهم فی‏‎ ‎‏قبال الـنسبـة الـسابقـة، فلا تغفل واغتنم.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 257