سورة البقرة

الوجه الرابع : شرافة العلم علی العبادة

الوجه الرابع

‏ ‏

شرافة العلم علی العبادة

‏ ‏

‏ربّما یخطر ببال الـقاصرین، هناک نوع خدعـة وقعت، ومن هذه الـجهـة‏‎ ‎‏احتجبت الـملائکـة وصاروا محجوبین؛ ضرورة أنّ الـظاهر من الـکتاب: أنّ‏‎ ‎‏اللّٰه تعالـیٰ علّم آدم، ولم یعلّم الـملائکـة، وفهّمهم بعد ذلک أنّهم جاهلون بما‏‎ ‎‏یعلمـه آدم، ولو کان الأمر ینعکس فینعکس الأمر وتعلو الـملائکـة علیٰ آدم‏‎ ‎‏بالـضرورة بعد علوّهم بحسب ظاهر الـخلقـة، فهذا خلاف الـبلاغـة، وتکون‏‎ ‎‏الآیة بصدد تعظیمه تعالیٰ فی إنزال الکتب السماویة، وتنتج عکس مطلوبه.‏

أقول:‏ سیمرّ علیک حقیقـة الأمر فی ذیل بحوث فلسفیـة ومباحث‏‎ ‎‏عرفانیـة، وأمّا بحسب فهم المـبادئ فی الأمر والـمبتدئ فی الـعلم ـ مع بعض‏‎ ‎‏الـمناسبات الـخاصّـة ـ أنّ الـملائکـة افتخروا بالـتسبیح والـتقدیس، مع أنّ‏‎ ‎‏الـعبادة من الـصفات الـعامّـة لـجمیع الأشیاء ‏‏«‏وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّیُسَبِّحُ‎ ‎بِحَمْدِهِ‏»‏‎[1]‎‏وهم کانوا أحیاناً عالـمین ببعض الاُمور إلاّ أنّ تمسّکهم بالـعبادة‏‎ ‎‏فی موطن الـترجیح کان من الـتمسّک الـمبتذل، فاُرید هنا أن یتوجّـه‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 307
‏الـملائکـة وسائر الـخلق إلـیٰ أنّ الـشرافـة بالـعلم، والـقداسـة بالـمعرفـة‏‎ ‎‏والإدراک الـصحیح الـواقعی، الـنظری کان أو الـعملی، فعلّم اللّٰه تعالـیٰ آدم‏‎ ‎‏کما علّم الـملائکـة، إلاّ أنّـه لـیس تعلیمـه تعالـیٰ إلاّ کتعلیمـه بالـنسبـة إلـیٰ‏‎ ‎‏سائر الـموجودات الـمتحرّکـة نحو الـعلم حسب قیامهم وجدّهم، ولیس هو‏‎ ‎‏جُزافاً وباطلاً وترجیحاً بلا مرجح، فالـنظر الأساسی کان إلیٰ تلک الـطریقـة‏‎ ‎‏فی الـبحث والافتخار والاستکبار.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 308

  • )) الإسراء (17) : 44.