سورة البقرة

المسألة الثانیة : حول تجرّد النفس

المسألة الثانیة

‏ ‏

حول تجرّد النفس

‏ ‏

‏من الـمسائل الـتی تستنتج ـ حسب الـموازین الـعقلیـة ـ من هذه‏‎ ‎‏الآیـة أنّ آدم فیـه من الـقوّة فی قوس الـصعود إلـیٰ أن یصیر جامعاً للأسماء‏‎ ‎‏الإلهیـة والـصفات الـکلّیـة والـسعـة الـوجودیـة علیٰ وجـه بـه یتمّ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 332
‏الـقوس، ‏‏«‏فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَیٰ‏»‏‎[1]‎‏ فهذه الـمادّة الـقابلـة للتعلیم‏‎ ‎‏بالـخروج من الـضعف إلـیٰ الـقوّة ومن الـنقص إلـیٰ الـکمال ومن الـهیولیٰ‏‎ ‎‏إلـیٰ الـصورة الـمطلقـة؛ بالـحرکـة الـجوهریـة الـذاتیـة الـطبیعیـة‏‎ ‎‏الـعِشْقیّـة الـسَّجْلیـة، فلیس تعلیمـه تعالـیٰ خارجاً عن قوانین الـعلّـة‏‎ ‎‏والـمعلول، وعن مسائل الـعالَم الإلهیـة والـطبیعیـة، وتعلیمـه تعالـیٰ کتعلیمـه‏‎ ‎‏لـی ولغیری، إلاّ أنّ الـموادّ تختلف باختلاف الـقابلیـة، الـتی تستند إلـیٰ‏‎ ‎‏الـعلل الـسابقـة والـمعدّات الـموجودة علیٰ ما تحرّر فی محلّـه.‏

‏وقد اشترکت الـطینـة الـکلّیـة الآدمیـة فی تلک الـقابلیـة الـعامّـة،‏‎ ‎‏واختلفت فی الاحتجابات اللاحقـة من قبل الـعلل والـمعدّات والآباء‏‎ ‎‏والاُمّهات ـ کما تریٰ ـ حسب الافراد والأشخاص، فإذا کانت فیـه الـقابلیـة‏‎ ‎‏الـعامّـة لـلأسماء الإلهیـة والـصفات الـکلّیـة ـ بنحو الـعموم والاستغراق ـ‏‎ ‎‏یتمّ قوس الـصعود بوصولـه إلـیٰ مقبض الـوجود ومبسطـه، وهذا ممّا لایتیسّر‏‎ ‎‏إلاّ للمجرّد الـکلّی الـمتجاوز عن حدّ الـمادّة إلـیٰ تلک الـحدود الـکلّیـة‏‎ ‎‏الـسعیـة، ویثبت بذلک تجرّد آدم أوّلاً وقابلیتـه للتجرد الـتامّ الـذی فیـه من‏‎ ‎‏الأسماء کلّها، وربّما فیـه أیضاً الـسرّ الـمستسرّ والاسم الـخاصّ الـذیأستأثر‏‎ ‎‏بـه اللّٰه تعالـیٰ لـنفسـه، فإنّـه أیضاً فیـه حسب هذه الآیـة الـشریفـة الـعامّـة،‏‎ ‎‏کما نشیر إلـیـه فی بحوث عرفانیـة إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.‏

وبالجملة: ‏مقتضیٰ هذه الآیـة لـزوم الـتجرّد للنفس، الذی هو محلّ‏‎ ‎‏الـخلاف بین الـفلاسفـة والـمتکلّمین، مع أنّـه تجرّد بالـغ غایتـه واصل‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 333
‏نهایتـه، فالـعجب من الـمتکلّم الـمتشرّع کیف یرضیٰ بمادّیـة الـنفس؛ وبأنّ‏‎ ‎‏الـروح شیء لطیف وجسم ظریف، أو أنّها کالـریح؛ غافلین عن هذه الآیـة‏‎ ‎‏الـمبارکـة، واللّٰه هو الـمستعان علیٰ ما یصفون.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 334

  • )) النجم (53) : 9 .