سورة البقرة

علیٰ مسلک الحکیم

وعلی مسلک الحکیم

‏ ‏

‏«‏قَالُوا‏»‏‏ أی الـملائکـة، وأفهموا وأعربوا عمّا فی أنفسهم بالـتجلّی‏‎ ‎‏«‏سُبْحَانَکَ لاَ عِلْمَ لَنَا‏»‏‏ بسیطاً ومرکّباً، ولا وجود لـنا، فإنّـه عین الـعلم،‏‎ ‎‏والـعلم عین الـوجود ‏‏«‏إِلاَّ مٰا عَلَّمْتَنَا‏»‏‏؛ أی فی وقت أوجدتنا وأبدعتنا، ولا‏‎ ‎‏حرکـة فی هذه الـطائفـة من الـملائکـة، إلاّ ظهور وتجلٍّ هو یفسَّر بما فی‏‎ ‎‏الـکتاب الإلهی ‏‏«‏إِنَّکَ أَنْتَ العَلِیمُ‏»‏‏ فلا عالـم فوقک، فانّ فوق کلّ ذی علم‏‎ ‎‏علیماً، فتأمّل ‏‏«‏اَلْحَکِیمُ‏»‏‏مؤکداً، فإنّ حکمتـه تعالـیٰ کسائر الـصفات الأوّلیـة‏‎ ‎‏والـعوارض الـعامّـة.‏

‏«‏قَالَ یَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ‏»‏‏، ویا خلیفـة اللّٰه أبرِزْ ما وصلتَ إلـیـه‏‎ ‎‏من الـکمالات، وأظهِرْ وحقّقِ الـحقائق الـموجودة بوجودک، الـبالـغـة إلـیک‏‎ ‎‏بالـحرکـة الـذاتیـة الـطبیعیـة، بخلاف تلک الـملائکـة الـذین هم متعلّمون‏‎ ‎‏بالإبداع، ‏‏«‏فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏»‏‏ وبما فی حقائقهم ومصالـحهم ومفاسدهم،‏‎ ‎‏وبما فیـه من حدود وجودهم وتعیّن صراطهم، وبما لا یحیطون ولم یحیطوا ولن‏‎ ‎‏یحیطوا، ‏‏«‏قَالَ‏»‏‏اللّٰه تعالـیٰ أو الـملائکـة الـمتوسّطـة الـتی هی الـوسائط‏‎ ‎‏وتجوز نسبـة اُمورهم إلـیٰ اللّٰه وتجلّیٰ الإلـه عندئذٍ ‏‏«‏أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ‎ ‎غَیْبَ السَّمَـٰوَاتِ وَالأَرْضِ وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ومَا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ‏»‏‏ فلمّا تبیّن الأمر‏‎ ‎‏لـکم أیّها الـملائکـة الـعرضیـة الـمتوسّطـة بین الـطولیات والـسُّفلیات،‏‎ ‎‏والـعقول الـمتکافئـة الـناظرة بوجـه إلـیٰ ما یقع فی الـسوافل، أَنّی عالـم بما‏‎ ‎‏فی غیب الـسماوات کلّها والأرض، وبکلّ شیءٍ، علماً تابعاً للعلم الـذاتی‏‎ ‎‏الـمتعلّق بنفس ذاتـه الأزلیـة، فأعلم الـغیب الـمضاف بالـغیب الـمطلق،‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 370
‏ونعلم الـمشاهدة الـمضافـة والـمطلقـة بهما، فنعلم الـغیب الـمقیّدو‏‎ ‎‏الـمشاهدة الـمقیّدة، وهو ما تُبدون وما تَکتمون بالـضرورة وبالأولویـة‏‎ ‎‏الـقطعیـة، فلا یعزب عن علمـه مثل ذرّة فی الأرض والـسماوات.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 371