سورة البقرة

الإعراب وبعض المسائل النحویـّة

الإعراب وبعض المسائل النحویـّة

‏ ‏

قولـه تعالـیٰ: ‏«‏وَإِذْ‏»‏‏ حرف عطف، وقد مرّ الـکلام فی «إذ» الاُولیٰ،‏‎ ‎‏وهذه عطف علیها علی الـمعروف بینهم، خلافاً للبحر‏‎[1]‎‏، وقیل: زیادة‏‎[2]‎‏، وهو‏‎ ‎‏غلط، وقیل: عاملـه «اذْکُرْ»، وقیل: عاملـه فعل محذوف، أو فعل «أبیٰ»‏‎[3]‎‏، وفی‏‎ ‎‏«الـبحر» محذوف، والـقرینـة قولـه تعالـیٰ، ‏‏«‏اُسْجُدُوا‏»‏‏، والـمحذوف: انقادوا‏‎ ‎‏وأطاعوا إذ قلنا للملائکـة اسجدوا‏‎[4]‎‏، واختاره نظراً إلـیٰ بطلان مقالـة‏‎ ‎‏الـمشهور؛ لأنّ زمان «إذ» الاُولیٰ غیر زمان «إذ» الـثانیـة؛ غافلاً عن أنّ حدیث‏‎ ‎‏الـزمان فی أفعالـه تعالـیٰ علیل، بل الـمحرّر فی الاُصول عند بعض خُلُوّ‏‎ ‎‏الأفعال عن الأزمان وإنّما هی ملحقـة بها، ولذلک قال سیّدنا الاُستاذ‏‎ ‎‏الـبروجردی ‏‏رحمه الله‏‏: إنّ الـنحاة قالـوا : «مقترناً بأحد الأزمنـة الـثلاثـة»، وهذا‏‎ ‎‏أمر یکشف عن خُلُوّها عنها فی ذواتها، فاغتنم.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 381
‏والـذی یحتملـه الآیـة أنّ الـواو یحتمل الاستئناف والـعطف، وفی‏‎ ‎‏جواز الـحال إشکال وإن أمکن عندنا هنا تصحیحـه وحیث إنّ الآیـة بحسب‏‎ ‎‏الاعتبار متأخّر عن الآیات الـثلاث الـسابقـة وعن الآیـة الـتی قبلها وتکون‏‎ ‎‏الـکلّ ـ حسب الـنظر الابتدائیـ مترتّبـة علیٰ نهج الـتربیـة بعد الإرادة‏‎ ‎‏الـمتعلّقـة بجعل الـخلافـة، فلا یکون هنا إلاّ الاستئناف وبیان ما تحقّق‏‎ ‎‏والإتیان بواو و«إذ» ثانیاً لـتشدید الـتنبیـه، وحیث إنّ الـقرآن کتاب فی‏‎ ‎‏الاعتبار یخاطب الاُمّـة الإسلامیـة یکون کلمـة «إذ» متعلّقـة بفعل عامّ، ککلمـة‏‎ ‎‏«اعلموا» و«اذکروا» و«الـتفتوا» وأمثال ذلک، ولعلّ «إذ» هنا یفید معنیٰ «إذاً»؛‏‎ ‎‏أی بعد ماثبت تقدّم آدم إذاً قلنا للملائکـة اسجدوا لـه. واللّٰه الـعالـم.‏

‏«‏قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ‏»‏‏ ولم یذکر قراءة الـکسر ولا الـتنوین‏‎ ‎‏معـه، مع أنّه لـو کان منصرفاً یجب هنا الإعراب، فتدلّ الآیـة علیٰ مسألـة‏‎ ‎‏أدبیـة کما مرّ، وما فی «مجمع الـبیان»: من أنّ الأصل فی همزة الـوصل أن‏‎ ‎‏تکسر لالتقاء الـساکنین، ولکنّها ضمّت من «اسجد» لاستثقال الـضمـة بعد‏‎ ‎‏الـکسرة‏‎[5]‎‏، فإنّـه أجنبی عن مسألتنا هذه؛ ضرورة أنّ «اسجد» من سجد‏‎ ‎‏یسجد، فیکون الـهمزة مضمومـة حسب الـموازین الـصرفیـة.‏

قولـه تعالـیٰ: ‏«‏فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ‏»‏‏ جواب لـلأمر أو حکایـة جواب؛‏‎ ‎‏أنّه حکایـة عن الأمر الـتکوینی وعن الـقصّـة الـسابقـة، ثمّ إنّ إبلیس‏‎ ‎‏منصوب، ویُقرأ مفتوحاً لـما مرّ، وإنّما الـکلام فی الاستثناء، والأقرب أنّـه من‏‎ ‎‏الـمتّصل؛ لـما مرّ أنّ الـملائکـة أعمّ من الـملائکـة الـذین لا یعصون اللّٰه،‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 382
‏ومن ذوات الأجنحـة مَثْنَیٰ وثُلاثَ وَرُباعَ، ومن قولـه تعالـیٰ ‏‏«‏جَاعِلِ المَلاَئِکَةِ‎ ‎رُسُلاً‏»‏‎[6]‎‏ ولو لـم تکن هذه الآیـة منصرفـة إلـیٰ طائفـة خاصّـة، فالـکلّ‏‎ ‎‏ـ حتّی إبلیس ـ رُسُل اللّٰه تعالـیٰ بالـمعنیٰ الأعمّ للرسالـة، وسیظهر بعض‏‎ ‎‏الـکلام حولـه.‏

‏وربّما یستدلّ بهذه الآیـة علیٰ وجود الاستثناء الـمنقطع فی الـکتاب‏‎ ‎‏الـعزیز، خلافاً لـجمع من الأعلام، بل والـفقهاء الـعظام؛ نظراً إلـیٰ أنّـه کلام‏‎ ‎‏خلاف البلاغـة والـفصاحـة، وتشبّث بعضهم لـحلّ موارد کثیرة ظاهرة فی‏‎ ‎‏الانقطاع، ومنها قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏لاَیَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلاَتَأْثِیمَاً* إِلاَّ قِیلاً سَلاَماً‎ ‎سَلاَماً‏»‏‎[7]‎‏وغیر ذلک من الآیات الآتیـة إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.‏

‏والـحقّ جواز ذلک، بل هو فی کثیر من الـمواقف من أسرار الـبلاغـة‏‎ ‎‏وبدائع الـفصاحـة، ونرجوا الـمعذرة لأجنبیـة الـبحث عن بحث الإعراب.‏

قولـه تعالـیٰ: ‏«‏أَبَیٰ وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الکَافِرِینَ‏»‏‏ فی محلّ نصب‏‎ ‎‏علیٰ کونـه صفـة «إبلیس» أو حال؛ أی آبیاً مستکبراً والـکلّ ضعیف، ولا بأس‏‎ ‎‏بکونـه خبراً بعد خبر عن مبتدأ محذوف، أو جواب لـسؤال مقدّر؛ لأنّـه بعد ما‏‎ ‎‏ترک الـسجدة یجوز أن یُسأل فما صنع؟ أبیٰ واستکبر، ولا بأس بکونـه فی‏‎ ‎‏محلّ الـتعلیل؛ لـمعلومیـة الـحال من الـمقال.‏

‏وعلیٰ کلّ تقدیر: هذا من الـمواضع الـتی یشکل تـتمیمها حسب‏‎ ‎‏الـقواعد الـبدویـة، دون الـتحقیقیـة،فإنّ مقتضیٰ قواعد الأدب لـزوم الـدلیل‏‎ ‎‏الـرابط بین قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏أَبیٰ وَاسْتَکْبَرَ‏»‏‏ وقولـه تعالـی: ‏‏«‏إِبْلِیسَ‏»‏‏ بمثل‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 383
‏«الـذی» وغیره؛ أی إبلیس الـذی أبیٰ واستکبر.‏

‏وسکوت مثل ابن حیّان فی الـمقام یشهد علیٰ أنّ الـمشکلـة لاتنحلّ‏‎ ‎‏حسب قواعد الـنحو وإن کانت منحلّـة حسب قواعد الأدب الأعلیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 384

  • )) راجع البحر المحیط 1 : 152.
  • )) راجع الجامع لأحکام القرآن 1 : 291.
  • )) البحر المحیط 1 : 152.
  • )) نفس المصدر.
  • )) راجع مجمع البیان 1 : 81 .
  • )) فاطر (35) : 1.
  • )) الواقعة (56): 25 ـ 26.