الإعراب وبعض المسائل النحویـّة
قولـه تعالـیٰ: «وَإِذْ» حرف عطف، وقد مرّ الـکلام فی «إذ» الاُولیٰ، وهذه عطف علیها علی الـمعروف بینهم، خلافاً للبحر، وقیل: زیادة، وهو غلط، وقیل: عاملـه «اذْکُرْ»، وقیل: عاملـه فعل محذوف، أو فعل «أبیٰ»، وفی «الـبحر» محذوف، والـقرینـة قولـه تعالـیٰ، «اُسْجُدُوا»، والـمحذوف: انقادوا وأطاعوا إذ قلنا للملائکـة اسجدوا، واختاره نظراً إلـیٰ بطلان مقالـة الـمشهور؛ لأنّ زمان «إذ» الاُولیٰ غیر زمان «إذ» الـثانیـة؛ غافلاً عن أنّ حدیث الـزمان فی أفعالـه تعالـیٰ علیل، بل الـمحرّر فی الاُصول عند بعض خُلُوّ الأفعال عن الأزمان وإنّما هی ملحقـة بها، ولذلک قال سیّدنا الاُستاذ الـبروجردی رحمه الله: إنّ الـنحاة قالـوا : «مقترناً بأحد الأزمنـة الـثلاثـة»، وهذا أمر یکشف عن خُلُوّها عنها فی ذواتها، فاغتنم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 381
والـذی یحتملـه الآیـة أنّ الـواو یحتمل الاستئناف والـعطف، وفی جواز الـحال إشکال وإن أمکن عندنا هنا تصحیحـه وحیث إنّ الآیـة بحسب الاعتبار متأخّر عن الآیات الـثلاث الـسابقـة وعن الآیـة الـتی قبلها وتکون الـکلّ ـ حسب الـنظر الابتدائیـ مترتّبـة علیٰ نهج الـتربیـة بعد الإرادة الـمتعلّقـة بجعل الـخلافـة، فلا یکون هنا إلاّ الاستئناف وبیان ما تحقّق والإتیان بواو و«إذ» ثانیاً لـتشدید الـتنبیـه، وحیث إنّ الـقرآن کتاب فی الاعتبار یخاطب الاُمّـة الإسلامیـة یکون کلمـة «إذ» متعلّقـة بفعل عامّ، ککلمـة «اعلموا» و«اذکروا» و«الـتفتوا» وأمثال ذلک، ولعلّ «إذ» هنا یفید معنیٰ «إذاً»؛ أی بعد ماثبت تقدّم آدم إذاً قلنا للملائکـة اسجدوا لـه. واللّٰه الـعالـم.
«قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ» ولم یذکر قراءة الـکسر ولا الـتنوین معـه، مع أنّه لـو کان منصرفاً یجب هنا الإعراب، فتدلّ الآیـة علیٰ مسألـة أدبیـة کما مرّ، وما فی «مجمع الـبیان»: من أنّ الأصل فی همزة الـوصل أن تکسر لالتقاء الـساکنین، ولکنّها ضمّت من «اسجد» لاستثقال الـضمـة بعد الـکسرة، فإنّـه أجنبی عن مسألتنا هذه؛ ضرورة أنّ «اسجد» من سجد یسجد، فیکون الـهمزة مضمومـة حسب الـموازین الـصرفیـة.
قولـه تعالـیٰ: «فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ» جواب لـلأمر أو حکایـة جواب؛ أنّه حکایـة عن الأمر الـتکوینی وعن الـقصّـة الـسابقـة، ثمّ إنّ إبلیس منصوب، ویُقرأ مفتوحاً لـما مرّ، وإنّما الـکلام فی الاستثناء، والأقرب أنّـه من الـمتّصل؛ لـما مرّ أنّ الـملائکـة أعمّ من الـملائکـة الـذین لا یعصون اللّٰه،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 382
ومن ذوات الأجنحـة مَثْنَیٰ وثُلاثَ وَرُباعَ، ومن قولـه تعالـیٰ «جَاعِلِ المَلاَئِکَةِ رُسُلاً» ولو لـم تکن هذه الآیـة منصرفـة إلـیٰ طائفـة خاصّـة، فالـکلّ ـ حتّی إبلیس ـ رُسُل اللّٰه تعالـیٰ بالـمعنیٰ الأعمّ للرسالـة، وسیظهر بعض الـکلام حولـه.
وربّما یستدلّ بهذه الآیـة علیٰ وجود الاستثناء الـمنقطع فی الـکتاب الـعزیز، خلافاً لـجمع من الأعلام، بل والـفقهاء الـعظام؛ نظراً إلـیٰ أنّـه کلام خلاف البلاغـة والـفصاحـة، وتشبّث بعضهم لـحلّ موارد کثیرة ظاهرة فی الانقطاع، ومنها قولـه تعالـیٰ: «لاَیَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلاَتَأْثِیمَاً* إِلاَّ قِیلاً سَلاَماً سَلاَماً»وغیر ذلک من الآیات الآتیـة إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.
والـحقّ جواز ذلک، بل هو فی کثیر من الـمواقف من أسرار الـبلاغـة وبدائع الـفصاحـة، ونرجوا الـمعذرة لأجنبیـة الـبحث عن بحث الإعراب.
قولـه تعالـیٰ: «أَبَیٰ وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الکَافِرِینَ» فی محلّ نصب علیٰ کونـه صفـة «إبلیس» أو حال؛ أی آبیاً مستکبراً والـکلّ ضعیف، ولا بأس بکونـه خبراً بعد خبر عن مبتدأ محذوف، أو جواب لـسؤال مقدّر؛ لأنّـه بعد ما ترک الـسجدة یجوز أن یُسأل فما صنع؟ أبیٰ واستکبر، ولا بأس بکونـه فی محلّ الـتعلیل؛ لـمعلومیـة الـحال من الـمقال.
وعلیٰ کلّ تقدیر: هذا من الـمواضع الـتی یشکل تـتمیمها حسب الـقواعد الـبدویـة، دون الـتحقیقیـة،فإنّ مقتضیٰ قواعد الأدب لـزوم الـدلیل الـرابط بین قولـه تعالـیٰ: «أَبیٰ وَاسْتَکْبَرَ» وقولـه تعالـی: «إِبْلِیسَ» بمثل
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 383
«الـذی» وغیره؛ أی إبلیس الـذی أبیٰ واستکبر.
وسکوت مثل ابن حیّان فی الـمقام یشهد علیٰ أنّ الـمشکلـة لاتنحلّ حسب قواعد الـنحو وإن کانت منحلّـة حسب قواعد الأدب الأعلیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 384