سورة البقرة

الوجه الثالث : دلالة الآیات علیٰ الکینونة السابقة للإنسان

الوجه الثالث

‏ ‏

دلالة الآیات علیٰ الکینونة السابقة للإنسان

‏ ‏

‏أنّ الـمستفاد من مجموع هذه الآیات الـخمس، ومن تلک الـخمسـة‏‎ ‎‏الـطیّبـة ـ صدراً وذیلاً ـ أنّ الأشیاء الـسابقـة الـزمانیـة الـتی لـها سمـة‏‎ ‎‏الاُبوّة، مشتملـة علیٰ جمیع الأبناء الـمتأخّرة، فتنتقل الأبناء فی الأصلاب،‏‎ ‎‏وتریٰ تقلّبهم فی الـساجدین وتقلّبک فی الـسجود. وهذا دلیل علیٰ‏‎ ‎‏أنّ الـکینونـة الـسابقـة الـزمانیـة زائدة علیٰ الـکینونـة الـکلّیـة الـسِّعیّـة‏‎ ‎‏وعلیٰ الـکینونـة الـسابقـة الأسمائیـة، ومن قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 469
هُدیً‏»‏‏ یستنبط وجودهم الـعقلانی، فیکون دلیلاً علیٰ أنّ الـنفوس لـیست‏‎ ‎‏جمسانیـة الـحدوث، خلافاً للبراهین الـعقلیـة‏‎[1]‎‏ والـضرورة الـوجدانیـة، وقد‏‎ ‎‏عرفت أنّ الـهبوط لـیس معناه الـهبوط الـسماوی أو الـروحانی الإلهی ـ بل‏‎ ‎‏فی الـکتاب الإلهی کثیراً استعمال هذه اللفظـة فی الـنقل الـمکانی: ‏‏«‏وَإِنَّ مِنْهَا‎ ‎لَمَا یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللّٰهِ‏»‏‎[2]‎‏، وقال: ‏‏«‏قِیلَ یَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا‏»‏‎[3]‎‏، وقال:‏‎ ‎‏«‏إِهْبِطُوا مِصْراً‏»‏‎[4]‎‏ کی یقال: إنّ هذه الآیات ناظرة إلـیٰ الأشخاص الـمعیّنین،‏‎ ‎‏وقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ‏»‏‏الـتفات من الـخطاب الـخاصّ إلـیٰ الـعامّ،‏‎ ‎‏وهو أیضاً جائز، بل قولـه تعالـیٰ فی هذا الـموقف: ‏‏«‏وَالـَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا‏»‏‎ ‎‏یُشعِر بأنّ الـذین کفروا فی عالَم آخر، فتدبّر.‏

أقول:‏ قد عرفت أنّ الأرض بلا شبهـة، کانت غیر مسکونـة فی بدو‏‎ ‎‏الـخلق، ثمّ صارت مسکونـة، وحدیث خلقـة الأشیاء وجعلها فیها، کان‏‎ ‎‏تدریجیاً من الـقلّـة إلـیٰ الـکثرة ـ الـفردیـة والـنوعیـة ـ وأنّ الـکتاب‏‎ ‎‏الـسماوی کتاب الـهدایـة والإرشاد. وعلیٰ هذا فلا بأس بکونـه خطاباً إلـیٰ‏‎ ‎‏تلک الـقلّـة؛ لـیتوجّـه الـمتأخّر إلـیٰ ما هو أساس الـتشریع وأساس تبعاتـه‏‎ ‎‏من الـعقوبـة، فالـمنظور کلّیّ ذهنی، والـخطاب خاصّ عینی؛ من غیر حاجـة‏‎ ‎‏إلـیٰ کونـه خطاباً إلـیٰ تلک الـذرّات بحسب الأوْل، وبلحاظ أنّ الـمستقبل‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 470
‏الـمتحقّق الـوقوع بمنزلـة الـماضی، أو إلـیٰ اجتماعها شاعرة فی عالـم‏‎ ‎‏الـذَّرّ.‏

‏مع أنّ مقتضیٰ ما یأتی فی بعض الـمباحث الـعرفانیـة: أنّ جمیع الأشیاء‏‎ ‎‏حیّـة؛ ولا جامد ولا میّت، وعندئذٍ لایلزم أن تکون الـنفوس غیر جسمانیـة‏‎ ‎‏الـحدوث؛ لحرکـة تلک الأشیاء والـحیوانات الـحیّـة الـذریـة إلـیٰ أن صارت‏‎ ‎‏مجرّدة بتجرّد أقویٰ، وهو الـنفس الإنسانیّـة والـعقل الـکلّی.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 471

  • )) راجع الأسفار 8 : 325 ـ 380، والشواهد الربوبیة:221 ـ 224، والمبدأ والمعاد:223.
  • )) البقرة (2) : 74.
  • )) هود (11) : 48.
  • )) البقرة (2) : 61.