سورة البقرة

الوجه الثانی عشر : الانسجام بین هذه الآیات

الوجه الثانی عشر

‏ ‏

الانسجام بین هذه الآیات

‏ ‏

‏بعد ما أمعنت الـنظر فی کیفیـة ربط هذه الآیات مع ما قبلها، تریٰ أنّ‏‎ ‎‏بینها أیضاً نهایـة الانسجام، فإنّـه تعالـیٰ أوّلاً ابتدأ بلفت نظر تلک الـطائفـة‏‎ ‎‏ومن یصغیٰ إلـیٰ هذه الآیات من غیر هذه الـفرقـة إلـیٰ الإیمان بالـعهد الـعامّ؛‏‎ ‎‏من الـتوحید علیٰ أنحائـه الـمحرّرة الـبالـغـة إلـیٰ ستـة عشرة ـ حسب ما‏‎ ‎‏أوضحناها فی بعض تحریراتنا الـعرفانیـة والـفلسفیـة ـ ثمّ بعد ذلک، وبعد ما‏‎ ‎‏وعظهم بالـنعمـة الـکلّیـة الـجامعـة، شرع فی تنبیههم إلـیٰ الـرهب منـه‏‎ ‎‏فقط، وهو اللطیف الـرؤوف فی هذا الـموقف.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 549
‏ثمّ بعد ذلک شرع فی إرشادهم إلـیٰ الإیمان الـقلبی بالـرسالـة‏‎ ‎‏وبالـمعجزة الـخالـدة، وحذّرهم من الـکفر والـسوء ... وهکذا، وبعد تلک‏‎ ‎‏الأمور الـقلبیـة الـتوحیدیـة والأخلاقیـة وجّههم إلـیٰ الـفرار عن الأعمال‏‎ ‎‏الـسیّئـة کالاشتراء والـتلبیس وکتمان الـحقّ بأخذه تعالـیٰ فی إحیاء علمهم‏‎ ‎‏بهذه الاُمور الـباطلـة ولزوم إتّباعهم عن معلوماتهم، وحیث إنّ الـتخلیـة‏‎ ‎‏مقدّمـة علیٰ الـتحلیـة فی مرحلـة الـحکمـة الـعملیـة، نهاهم عن جملـة من‏‎ ‎‏الاُمور الـسیئـة، ثمّ أمرهم بالأفعال الـصالـحـة والأعمال الإسلامیـة‏‎ ‎‏کالـصلاة وغیرها.‏

‏فهذه الآیات الشریفـة جامعـة للجهات الـذاتیـة والصفاتیة والأفعالیـه‏‎ ‎‏والاجتماعیـة بالـرکوع مع الـراکعین فی صفوف الـجماعات الـمنعقدة.‏

‏ومع ذلک لـم یکتف بما مرّ وأتیٰ فی آخر هذه الـمجموعـة الـجامعـة‏‎ ‎‏من الآیات الـمذکورة بالالتفات إلـیٰ الـدار الآخرة، وأنّها الـحیوان لـو کانوا‏‎ ‎‏یعلمون، کیف لا؟! وفیها لـقاء اللّٰه والـرب فی وجـه مألوف عند أهلـه، کما‏‎ ‎‏یأتی ـ إن شاء اللّٰه تعالـیٰ ـ فهذه الـمسافرة الـبشریـة من الـبدو إلـیٰ الـختم‏‎ ‎‏سعادة کلّیـة بمراحلها: الـروحانیـة والـذهنیـة والـجسمیـة والـعینیـة‏‎ ‎‏والـفعلیـة والـخلقیـة والـعملیـة، وآخر هذا الـسفر الـقیّم لـقاء اللّٰه والـنزول‏‎ ‎‏عند الـلّٰـه والـهبوط فی منزلـه الـرفع الأعظم والـرفیق الـمکرم.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 550