سورة البقرة

البحث الخامس : وجوب صلاة الجماعة وکون الرکوع من الفریضة

البحث الخامس

‏ ‏

وجوب صلاة الجماعة وکون الرکوع من الفریضة

‏ ‏

‏قد استدلّوا بقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِینَ‏»‏‏ تارة: علیٰ صلاة‏‎ ‎‏الـجماعـة‏‎[1]‎‏، فما قالـوا: إنّـه لا إطلاق فی أدلّتها، غیر صحیح؛ لإطلاق هذه‏‎ ‎‏الآیـة علیٰ جواز مطلق الـجماعـة فی مطلق الـصلوات، إلاّ ما خرج بالـدلیل.‏

‏واُخریٰ: بأنّ الـرکوع من الـفریضـة فی الـصلاة لـدلالـة الـکتاب‏‎ ‎‏الـعزیز علیـه حسب هذه الآیـة، ولیس من الـسُّنّـة؛ نظراً إلـی ما ورد فی‏‎ ‎‏الـخبر: ‏«إنّ السُّنَّة لاتنقض الفریضة»‎[2]‎‏ بمعنیٰ أنّ الـصلاة الـجامعـة للفرائض‏‎ ‎‏ـ کالـوقت والـطهور والـقبلـة والـرکوع والـسجود ـ لاتبطل بإخلال‏‎ ‎‏الـمصلی بسائر الأجزاء والـشرائط إلاّ بدلیل خاصّ.‏

‏فاستفادة الـتمیـیز بین الـفریضـة والـسنّـة موقوفـة علیٰ دلالـة‏‎ ‎‏الـکتاب الـعزیز، وهذه الآیـة من هذه الـجهـة کافیـة.‏

أقول:‏ لـو سلّمنا ما اُفید فهو فی حدّ نفسـه یتمّ، ولکن لـمکان سبق‏‎ ‎‏الآیات الاُخر الـراجعـة إلـیٰ دعوة الـیهود إلـیٰ الإسلام والـخضوع لـه‏‎ ‎‏والإیمان بالـکتاب الـعزیز یشکل الأمر؛ لإمکان کون الأمر متوجّهاً إلـیٰ‏‎ ‎‏خضوعهم مع الـناس الـمسلمین، فلایستحیون ویرکعون مع الـراکعین‏‎ ‎‏الـخاضعین لـلإسلام.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 557
‏وعلیٰ هذا لایتمّ الاستدلال الـثانی. ویؤیّدنا قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏یَا مَرْیَمُ‎ ‎اقْنُتِی لِرَبِّکِ وَاسْجُدِی وَارْکَعِی مَعَ الرَّاکِعِینَ‏»‏‎[3]‎‏، فإنّـه لـیس دعوة إلـیٰ‏‎ ‎‏الـجماعـة الـمصطلحـة. واللّٰه الـعالـم.‏

ولو قیـل :‏ لا بأس بإطلاق الآیـة، بل عمومها لـجمیع الـمراحل‏‎ ‎‏والـمراتب والـموارد.‏

قلنا:‏ قد حرّرنا فی الاُصول: أنّ الـجمع الـمحلّیٰ بالألف واللام، لایدلّ‏‎ ‎‏علیٰ الـعموم الأفرادی إلاّ بمقدّمات الإطلاق‏‎[4]‎‏، کما علیـه الأکثر، ولو سلّمنا‏‎ ‎‏دلالتـه فهو هنا أعمّ من الـجماعـة والـفرادیٰ إذا صلّوا معاً بغیر جماعـة،‏‎ ‎‏وعندئذٍ یتمّ الاستدلال الـثانی.‏

اللهمّ إلاّ أن یقال: ‏إنّـه ناظر إلـیٰ الـرکوع فقط، لا الـرکوع فی الـصلاة،‏‎ ‎‏ولکنّـه خلاف الـفرض، وهو الـعموم الـمشمول.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 558

  • )) روح المعانی 1 : 247.
  • )) راجع الخصال 1 : 316 / 36،وبحار الأنوار 85: 136 / 1.
  • )) آل عمران (3) : 43.
  • )) راجع تحریرات فی الاُصول 5 : 201.