الوجه التاسع
حـول استعمال الفاء فی الآیة
فی إتیان الـفاء إفادة أنّ توقّع الـربح وترقّب الـزیادة و الـنماء فی الاشتراء الـمزبور، غیر صحیح، ولو قال: وما ربحت تجارتهم، فهو من قبیل الإخبار بعد الإخبار الأعمّ من ذلک، ففی کلمـة الـفاء إفادة الـسببیـة و الـعلّیـة الـقاطعـة لانتظار الـربح.
وبعبارة اُخریٰ: ربّما یکون فی اشتراء الـضلالـة ب الـهدیٰ، منافع مادّیـة دنیویـة ومنازل خاصّـة مطلوبـة فی هذه الـنشأة؛ وإن کانت هی الـضلالـة واقعاً، وربّما لایربح حتّیٰ ب الـنسبـة إلـیٰ الـمزایا الـدنیویـة وآثارها الـشیطانیـة الـمطلوبـة لأهلها؛ حتّیٰ یکون من الـذین خسروا فی الـدنیا والآخرة، فهؤلاء الـمنافقون ما ربحوا فی تجارتهم أنحاء الـربح وأنواع الـنماء، ومن الـبیِّن أنّ الـتجارة من الـمجاز والاستعارة الـترشیحیـة؛ إذ من آثار الـدعویٰ الـسابقـة ـ وهی أنّ الاستبدال الـمزبور اشتراء ـ کون ذلک تجارة فی محلّ الـربح، إلاّ أنّها ما ربحت تجارتهم، وما ترتّب علیها الآثار ولو دنیویـة.
ومن هنا یظهر فساد ما فی بعض الـتفاسیر من : أنّ نفی الـربح یوهم بقاء رأس الـمال، وأنّـه لم یذهب ب الـکلیّـة. انتهیٰ.
وذلک لأنّ الـمشتری فی الآیـة قد اشتریٰ الـضلالـة، وأعطیٰ ثمنها، وهو
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 23
الـهدایـة؛ مریداً بذلک الـربح و الـنماء، إلاّ أنّـه مابقی عنده إلاّ الـضلالـة المحضـة بلا أثر وفائدة فخسر فی الدنیا والآخرة، وذلک هو الـخسران المبین.
وبعبارة اُخریٰ: ربّما یشتری الـدنیا بدینـه، وینتفع بها ویستثمر منها، ثمّ یعاقب فی الآخرة. وربّما یشتری الـدنیا ب الـدین، ولایصل إلـیـه منها شیء یترقّبـه، وهؤلاء الـمنافقون قد اشتروا الـضلالـة ب الـهدیٰ طمعاً فی دنیاهم؛ حفاظاً علیٰ أمو الـهم وغیر ذلک من الـمقاصد الـخبیثـة، ولکن ماربحت تجارتهم، فلم یصلوا إلـیٰ مرامهم ومقصودهم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 24