المسألة الاُولیٰ
حـول استناد الحوادث الجویة إلیٰ السماء
اختلفوا فی أنّ الـحوادث الـسماویّـة و الـجوّیـة، کالأمطار و الـبروق و الـصواعق و الـرعود و الـبرود وغیرها، هل هی مستندة إلـیٰ الـمبادئ الأرضیـة و الـمناشئ الـعنصریـة، أم هی تستند إلـیٰ الأسباب الـسماویـة و الـمبادئ الـفوقانیـة؟
واستندوا لإثبات مدّعاهم الأخیر و الـرأی الـثانی إلـیٰ هذه الآیـة الشریفة، وأنّ قولـه تع الـیٰ: «أوْ کَصَیِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ» یوجب أنّ هذه الحوادث نشأت من الـسماء، وتدلّ الآیـة علیٰ فساد الـقول: بأنّ هذه الاُمور تستند إلـیٰ الأبخرة الـمتصاعدة الأرضیّـة؛ لأجل الأنوار الـحارّة الـشمسیّـة وغیرها.
وقد عرفت فیما مضیٰ الـقول الآخر وهو : أنّ هذه الاُمور تستند إلـیٰ الـعلل الـغیبـة الإلهیّـة و الـملائکـة الـمدبّرة الـرحمانیـة، وقد نسب هذا
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 197
الـقول إلـیٰ صاحب الـشریعـة الإسلامیـة حسب الآثار والأخبار الـمرویّـة عن طرق الـعامّة و الـخاصّـة.
ومن الـغریب ذهاب جمع من الـفضلاء إلـیٰ الـرأی الـثانی، وجمع آخر إلـیٰ الـقول الأخیر؛ من غیر تدبّر فی مغزیٰ الـمسألـة ومخّ الـکلام؛ ضرورة أنّ حجّیـة الأخبار فی هذه الـمسائل ممنوعـة علیٰ ما تحرّر، وعلیٰ تقدیر صحّتها، فهی محمولـة علیٰ أنّ الـمراد منها، الإشارة إلـیٰ الـعلل الإلهیّـة الـمسانخـة مع الـعلل الـطبیعیـة، الـمقارنـة مع الـحوادث الـمشترک فیها جمیع الـحوادث فی الـعو الـم الـعنصریـة والأثیریـة.
وأمّا توهّم: أنّ هذه الـحوادث مع الـیل الأسباب الـغیبیـة الإلهیـة؛ بلا توسّط الـمبادئ الـطبیعیـة، فهو فاسد غیر خفیّ علیٰ أهلـه.
وأمّا ما ذهب إلـیـه جمع وفیهم الـفخر وغیره من : أنّ هذه الآیـة وبعض الآیات الاُخر، تدلّ علیٰ أنّ هذه الاُمور الـجوّیـة الـسماویـة، مستندة إلـیٰ الـمبادئ الـطبیعیـة الـسماویـة ومناشئ غیر أرضیـة، فهو أغرب؛ ضرورة أنّ هذه الـمسائل تجربیـة شهودیـة، یشهدها الإنسان من فوق الأجبال وفی سواحل الـبحار؛ من غیر حاجـة إلـیٰ إعمال الـنظریـة و الـفکرة.
هذا، مع أنّ هذه الـمسائل فی عصرنا منحلّـة؛ لما أنّ الـسحاب و الـصیِّب من الاُمور الاختلاقیـة و الـصناعیـة الاختیاریـة؛ بتوسیط الأشعّـة الـخاصّـة و الـحرارة الـمحدودة، فقولـه تع الـیٰ: «أَوْ کَصَیِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ»
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 198
لیس فی مقام تثبیت الـنظریـة الـمزبورة، بل هو فی موقف آخر أشرنا إلـیـه، ولعلّ أمتن الـوجوه کون الـنظر إلـیٰ إفادة أنّ الـصیِّب الـمزبور محیط بهم ومسیطر علیهم.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 199