بحث عرفانی ورمز إیمانی
العبادة ورعایة أسماء اللّٰه
قضیّـة هذه الآیـة: أنّ الـعبادة من تبعات الـربوبیّـة، وأنّ مقتضیٰ الاسم « الـربّ» هو الأمر ب الـعبادة؛ لأنّها عین الـربوبیـة و الـتربیـة الـمعنویـة، الـلازمـة علیـه تع الـیٰ ب الـنسبـة إلـیٰ کلّ الـطوائف و الـملل، ولذلک علّق ـ حسب الـظاهر ـ الـعبادة علیٰ الـربوبیّـة فعلیٰ هذا تجب عبادة الاسم الـخاصّ، وهو الـربّ الـذی خلق حسب اقتضاء الاسم و الـصفـة، فیشاهد الـس الـک فی سلوکـه و الـعرفاء فی محاضراتهم و الـنّاس عند الـقیام ب الـصلاة ونحوها، الاسمَ الـخاصّ، ویرون هذا الـنعت، ویجعلونـه نصب أعینهم حین الـعبادة و الـخضوع وفی وقت الـسجود و الـرکوع، ولا یصلح سائر الأسماء و الـنعوت.
وقضیّـة الآیـة الاُخریٰ «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» هو أنّ الـعابد یراعی الاسم الـجامع «اللّٰه»، ویحضره
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 330
فی قلبـه بهذا الاسم الـکلّ، ویعبد الـذات الأحدیة الإلهیـة تحت هذا الـلواء و الـعنوان، فیلزم الـمناقضـة بین الآیتین؛ ضرورة أنّ اختلاف الـتعبیر ینشأ من الاختلاف فیما هو مقتضیٰ الأسماء و الـصفات، وربّما یکون الـس الـک الـمراعی جانب الاسم الـخاصّ فی الـعبادة، أقویٰ سلوکاً وأقرب وصولاً ممّن یعبد اللّٰه علیٰ الاسم الآخر ک الـع الـم و الـقادر.
وربّما ینتهی هذه الـمسألـة إلـیٰ أنّ من الـسالک الـعابد من لایعرف اللّٰه ولا الـع الـم ولا الـقادر، بل یعرف ربّ الـعالَم، فیعبده ویستعین بـه غیر متوجّـه إلـیٰ سائر الـصفات و الـعناوین، ولا یکون فی هذه الـعبادة مشرکاً ولا متخلّفاً.
والذی هو التحقیق: أنّ جمیع الأسماء لکونها محاطـة تحت الاسم الـمحیط الـجامع، یکون ذلک الاسم فیـه جمیع الـخواصّ والآثار، فلا تهافت بین الآیتین.
هذا، مع أنّ عبادة ربّ الع المین ـ و الـربّ الـذی خلق کلّ شیء وأحسنه وقدّره، ونعم ما أحسن وقدّر ـ ترجع إلـیٰ عبادة اللّٰه فی هذه الآیـة؛ لأنّ الـنظر هنا آلیّ، وما هو الـمنظور فیـه استقلالاً هو الاسم الـجامع «اللّٰه» عزّ وعلا.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 331