الوجه الخامس
حول إطلاق البناء علیٰ السماء
إطلاق الـبناء علیٰ الـسماء من الـمجاز؛ لأنّـه الـمصدر، ولذلک قیل: هو
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 362
بمعنیٰ الـمَبنیّ، وقیل: الـبناء مصدر، ویصحّ حقیقـة إطلاقـه علیٰ الـسقف، وهو الـظاهر من الـمروی عن ابن عبّاس.
والّذی هو الحقّ أنّ السماء بمعنیٰ الفلک فی مصطلح الـقدماء، ممّا لا أساس لـه، ولا یمکن حمل کلامـه تع الـیٰ علیٰ ما علیـه تلامیذ بطلمیوس وأصحابـه، وقد مضیٰ شطر من الـبحث حولـه، ویزیدک ایضاحاً بحوث آتیـة إن شاء اللّٰه تع الـیٰ.
وأمّا الـسّماء بمعنیٰ الـجَوّ الـمتراکم الأخضر الـمتوهّم ثبوت الأنجم علیها وانسجامها فیها وترکیزها علیها، فلیس هو شیئاً یطرح حتّیٰ یحتاج إلـیٰ الـبنایـة و الـعُمُد والإحکام. وعلیٰ هذا یُشکل حلّ هذه الـمشاکل الـمتبادرة إلـیٰ الـذهن جدّاً.
والقولُ بأنّ الـسماء هی الـکرة الـفوقانیـة، فإنّها تنحفظ ب الـجاذبـة الـعمومیّـة، فیکون محفوظاً وسقفاً، أبردُ من الـثلج، کما فی « الـمنار»؛ ضرورة أنّ الـکُرة الـفوقانیّـة لاتعدّ سقفاً ب الـنسبـة إلـیٰ الأرض حتّیٰ یکون بناءً، ففی الآیـة الـناطقـة بأنّ الـسّماء سقف مرفوع، إشکال یأتی تحقیقـه فی ذیلها. نعم هذه الآیـة الـشریفـة لا تدلّ إلاّ علیٰ أنّ الـسماء بناء وبنایـة ومن الاُمور الـمنتظمـة، ولا یتکرّر فی هذه الـجملـة کلمـة «لکم»؛ حتّیٰ یقال بأنّ الـبناء لیس لهم وللمخلوقین فی الأرض، ولو فرضنا دلالتها علیٰ أنّـه جعل لهم
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 363
الـسّماء بناءً فهو أیضاً صحیح؛ لأنّ نفع هذه الـبنایـة یعود إلـیهم؛ لأجل أنّ الـحرکـة الاعتد الـیـة موقوفـة علیٰ هذه الـکرات الـمنتظمـة. واللّٰه الـع الـم بحقایق الاُمور.
ویمکن أن یقال: الـمقصود بیان أنّ الـسماء ـ وهی جهـة الـعُلُوّ الّتی تشتمل علیٰ الـهواء الـمجاور للأرض ـ فإنّها بناء وبنایـة ومبنیّـة علیٰ أساس لولا الـربط الـمعتبر الـملحوظ، لما یستقرّ علیٰ الأرض أحد؛ لکونها متحرّکـة، فلابدّ للمحافظـة علیٰ سُکّانها من تبعیّـة الـهواء للأرض فی الـتحرّک، کما تحرّر فی محلّـه. ویشهد لذلک: أنّ الـسماء الـذی اُنزل منـه الـماء هو الـسماء الـذی جعلها بناءً، فیکون ما یقرب من الأرض.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 4)صفحه 364