حکم تصرّفات الأصیل بناء علیٰ مختار الأصحاب
وأمّا الأصحاب فهم فی هذه الـمسألـة مختلفون، ووجـه الاختلاف أمران: اختلافهم فی الـمراد من وجوب الـوفاء بالـعقد، واختلافهم فی مسألـة الـکشف، والـذی ینبغی فی الـمقام الإشارةُ الإجمالـیّـة إلـیٰ تلک الـوجوه فی الـمسألـة.
فمن یقول: بأنّ الأصیل ممنوع، ولایجوز لـه الـنقض، توهّم أنّ ظاهر الآیـة الـشریفـة هو الالتزام بالـعقد، وعدم جواز نقضـه، فلایجوز لـه الـفسخ، ولایجوز لـه الـتصرّفات الـمنافیـة لـلحکم الـمزبور، فلا ترخیص فی إعدام الـموضوع؛ لأنّـه یناقض إیجاب الـوفاء بالـمعنی الـمشار إلـیـه.
وإذا قلنا: إنّ قضیّـة الإجازة هو الـکشف، فلایجوز الـتصرّفات الاُخر أیضاً؛ لـعدم جریان الأصل الـسابق لـما مضیٰ.
ومن یقول: بأنّـه ممنوع من نقض الـعقد وإعدام موضوعـه، ولکنّـه یجوز لـه جمیع الـتصرّفات، توهّم أنّ الـمراد من الآیـة الـشریفـة قبل تمامیّـة الـعقد بلحوق الإجازة، لـیس إلاّ عدم حلّـه، ولا اقتضاء لـها إلاّ ذلک؛ لأنّ موضوعها - وهو الـعقد - موجود، ولکن موضوع الـممنوعیّـة ـوهو
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 183
الـتصرّف - مشکوک الـوجود؛ لأنّـه هو الـعقد الـمؤثّر، وقضیّـة الأصل عدم لـحوق الإجازة.
نعم، إن قلنا: بأنّ الإجازة شرط متأخّر فلـه ذلک واقعاً وظاهراً، وإن قلنا: بأنّ الإجازة کاشفـة عن الـشرط الـمتقدّم فلـه ذلک ظاهراً، لا واقعاً.
وقد عرفت ما فیـه علیٰ فرض کون الآیـة ظاهرة فیما توهّمـه وأفاده.
ومن یقول: بأنّـه یجوز لـه الـنقض والـفسخ، ولایجوز لـه الـتصرّفات إلاّ بعد ذلک، توهّم أنّ مفادها هو وجوب الـوفاء بالـعقد، وأمّا لـزوم الـعقد وعدم قابلیّتـه لـلفسخ فلایستفاد منها، فما دام الـعقد موجوداً یجب الـوفاء بـه، فلایجوز الـتصرّفات الـمنافیـة، وأمّا إذا انعدم الـعقد فلـه ذلک، والـفسخ یعدمـه.
ولو قیل: إعدام الـفسخ یحتاج إلـی الـدلیل، وإلاّ فقضیّـة الاستصحاب الـموضوعیّ عدم الانفساخ، ومقتضی الاستصحاب الـحکمیّ ممنوعیّتـه عن الـتصرّفات.
قلنا: ظاهر الآیـة الـشریفـة؛ أنّ ما هو موضوع الـحکم هو الـوفاء بالـعقد الـمفروض وجوده، ومقتضی أنّـه مأمور بـه أنّـه یتمکّن من عدم الـوفاء، وإذا کان الـعقد لازماً فلایتمکّن من عدم الـوفاء؛ وهو عدم تسلیم الـمعقود علیـه، فعلیـه یعلم أنّـه مادام الـعقد باقیاً یجب علیـه الـوفاء، وإذا أعدمـه فلایجب، وهو بالـخیار فی ذلک الأمر.
وإذا قلنا: بأنّ الإجازة کاشفـة علی مقالـة «الـفصول» وأشباهها، فهو ممنوع من مطلق الـتصرّفات واقعاً.
وإن قلنا: بأنّها کاشفـة علیٰ مقالـة الـمشهور فلـه ذلک واقعاً وظاهراً.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 184
ولکنّک عرفت : أنّ الـتوهّم الـمزبور فی مقتضیات الـکشف الـحقیقیّ، ناشئ عن قلّـة الـتدبّر فی الـمسألـة، فلاتغفل.
ومن یقول بجواز الـفسخ والـتصرّف مطلقاً، ویقول بأنّ الآیـة لاتفی بأکثر من الـممنوعیّـة بعد الإجازة، توهّم أنّها ظاهرة فی إیجاب الـوفاء بالـعقد، وهو لیس معناه إلاّ الـقیام بمقتضی الـعقد؛ وهو تسلیم الـمعقود علیـه، وحیث إنّ الـهیئـة فیها إرشاد إلـیٰ أنّ ذلک؛ لأجل کونـه مال الـغیر الـمنتقل إلـیـه بالـعقد، فیعلم منـه حصول الـملکیّـة بالـعقد، ولزوم ذلک الـعقد، فلا دلالـة لـها إلاّ علیٰ ما علیـه بناء الـعقلاء، فمجرّد صدق «الـعقد» غیر کافٍ لـوجوب الـوفاء بالـعقد.
وإن شئت قلت: الـعقد الـذی هو لازم ولاینفسخ هو الـعقد الـذی یجب الـوفاء بـه، والـذی یجب الـوفاء بـه هو الـعقد بعد الإجازة؛ ضرورة أنّـه قبل الإجازة لا وفاء لـه، بمعنی لـزوم تسلیم الـمعقود علیـه، فیتعیّن کون مورد الآیـة هو الـعقد بعد الإجازة، فقبلها لا اقتضاء لـه، فلا لـزوم لـه، فافهم وتدبّر.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 185