توهّم وقوع المبادلة فی بعض أنحاء الغرامات وجوابه
لایقال: الـظاهر وقوع الـتبادل فی بعض أنحاء الـغرامات، کما إذا وطأ الـحیوان، أو أتلفـه وقتلـه، أو أتلفـه بتلف عرفیّ کالـغرق ونحوه، فغرم لـصاحبـه، فإنّ الـحیوان وجثّتـه لـلغارم عرفاً، بل قد مضیٰ أنّـه مستفاد من بعض الأخبار الـواردة فی تغریم الـواطئ، ومنـه یعلم عمومیّـة ذلک فی سائر الـمواضیع.
لأنّا نقول أوّلاً: لورجع الحیوان المقتول والمائت إلی الـحیاة الدنیویّة، فالـعرف یریٰ أنّـه راجع إلـیٰ مالـکـه الأوّل، وقد مضیٰ أنّ جمعاً منهم قالـوا فی الـتلف الـعرفیّ: بأنّـه بعد الاستیلاء علی الـعین الـغائبـة یجب علیـه إرجاعها إلـیٰ صاحبها ومالـکها ، ویکون ما أدّیٰ إلـیـه بدل الـحیلولـة.
وثانیاً: لا منع من الالتزام بأنّ فی هذه الـمواقف، نوعَ إعراض وصلح ورفع ید عن حقّ الاختصاص، کما لایخفیٰ.
وثالثاً: القضایا الجزئیّـة لیست دلیلاً علی الکبریٰ الکلّیة، ولا شبهة فی أنّ باب الـغرامات لـیس معاوضـة؛ لا قهریّـة، ولا اختیاریّـة، وفی هذه الأمثلة نلتزم ببقاء الـعین الـتالـفـة شرعاً أو عرفاً أو هما معاً، فلاتخلط أصلاً.
ثمّ اعلم: أنّ قضیّـة وقوع الـمعاوضـة الـقهریّـة بین الـعین الـتالـفـة وعوضها؛ أنّ الـلاحق یجوز لـه الـرجوع إلـی الـسابق، لأنّ یده وقعت علیٰ
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 453
مالـه. وتوهّم أنّ اعتبار الـعین الـتالـفـة ملکاً لـمن رجع الـمالـک إلـیـه حیثیّ، فیترتّب الأثر بالـنسبـة إلـی الـلاحق دون الـسابق، واضح الـمنع؛ لـعدم الـوجـه لـلتفکیک، وسیأتی بعض الـکلام حول هذه الـمعاوضـة فی الـوجوه الآتیـة.
هذا کلّـه تمام الـبحث حول عمدة الـمسائل والـوجوه الـمزبورة فی مسألـة تعاقب الأیادی، وعرفت قصورها کلّها عن إثبات جواز رجوع الـسابق إلـی الـلاحق مطلقاً؛ لا فی عَرْض الـمالـک، ولا فی طولـه.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج. ۲)صفحه 454