القول فی الفضولی

حول نفوذ تصرّفات الأب والجدّ مع عدم المصلحة

حول نفوذ تصرّفات الأب والجدّ مع عدم المصلحة

‏ ‏

‏بقی الـکلام فیما هو الـمهمّ فی الـمقام؛ وهو نفوذ تصرّفاتهم إذا کانت ‏‎ ‎‏بلا مصلحة، فالـتی تقتضیها الـبناءات الـعقلائیّة هی الـصحّة؛ لأنّ الـعقل لا ‏‎ ‎‏یمنع من ذلک، وکانوا یتصرّفون فی أموال الصغار بالمبادلة والـمعاوضة خوفاً ‏‎ ‎‏من بعض المشکلات الراجعة إلی أنفسهم، ولم یرد ردع من الـشرع المقدّس.‏

‏فبالـجملة: الـعقلاء لا یرون منعاً عن ذلک، وإذا کانوا معتقدین جواز ‏‎ ‎‏الـتصرّف فلا یمکن دعوی اتّفاق مثله نادراً، بل هو من الاتّفاقات الـکثیرة ‏‎ ‎‏فی کلّ صباح ومساء؛ لکثرة الابتلاء به فی مجموع الـحالات، ومع ذلک ‏‎ ‎‏لم یردع عنها، فهو دلیل الإمضاء.‏

‏مع أنّ الـظاهر من صحیحة عبید بن زرارة الـماضیة الـمشتملة علی ‏‎ ‎‏الـتقیید بعدم کون الـجدّ مضارّاً، أنّ عدم الـمفسدة کافٍ فی نفوذ الـتصرّفات ‏‎ ‎‏فی الـنکاح، ولا تشترط الـمصلحة، بل الإضرار مانع.‏

‏ولکنّ الـتجاوز من مسألة الـنکاح إلـی غیره ممنوع، ولاسیّما بعد کون ‏‎ ‎‏موردها الـرشیدة الـبالـغة. بل الـتجاوز عن موردها إلـی الأب فی الـنکاح ‏‎ ‎‏محلّ شبهة، وقد حکی عن بعض الأصحاب الـتفصیل بین الـجدّ والأب فی ‏‎ ‎‏بعض الأحکام ما لا یرتبط بالـمقام.‏

‏إن قلت: یکفی للردع ولعدم صحّة تصرّفاتهم إلاّ مع الـمصلحة قوله ‏‎ ‎‏تعالــی: ‏‏«‏وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْیَتِیمِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ‏»‏‎[1]‎‏ فإنّ الأحسنیّة ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.3)صفحه 158
‏لاتتصوّر إلاّ مع وجود الـمصلحة، وبعد سقوط أدلّة: ‏«أنت ومالک...»‏ عن ‏‎ ‎‏الـدلالة فی الـمقام، لا یبقی مجال لدعوی حکومتها علی الآیة.‏

‏قلت: نعم، إلاّ أنّ فی مفاد الآیة إشکالاً؛ لاحتمال اختصاص الـخطاب ‏‎ ‎‏بالأوصیاء والـقیّم، ولا تشمل الآباء والأجداد؛ وستأتی زیادة توضیح حولها ‏‎ ‎‏فی اعتبار الـمصلحة فی تصرّفات سائر الأولیاء إن شاء الله تعالـی‏‎[2]‎‏.‏

‏وتوهّم استشمام الـمنع من الأخبار الـواردة فی تضییق الأب فی ‏‎ ‎‏الـتصرّفات الـخارجیّة؛ وأنّه لا یجوز له إلاّ مع الاضطرار والـلابدّیّة ‏‎ ‎‏والـحاجة، وأن لا یکون مسرفاً، فی غیر محلّه کما لا یخفی.‏

‏نعم، ربّما تشکل الـمسألة لأجل عدم ثبوت الـبناء الـعملیّ من ‏‎ ‎‏الـعقلاء فی هذه الـمسألة؛ وإن کانت واضحة فی أصل تصرّفاتهم فی أموال ‏‎ ‎‏الـصغار فی الـجملة إذا کانت مع الـمصلحة، فعند ذلک لابدّ من الأخذ بالـقدر ‏‎ ‎‏الــمتیقّن منه؛ وهی صورة الـمصلحة، وخصوصاً بعد ما قال الـحلّیّ فی ‏‎ ‎‏محکیّ «الـسرائر»: «لا یجوز للولیّ الـتصرّف فی مال الـطفل إلاّ بما یکون ‏‎ ‎‏فیه الـصلاح...» إلـی أن قال: «وهذا الـذی تقتضیه اُصول الـمذهب»‏‎[3]‎‏ وبه ‏‎ ‎‏صرّح جماعة الـمتوسّطین، کالـمحقّقین‏‎[4]‎‏، والـعلاّمة‏‎[5]‎‏، والـشهیدین‏‎[6]‎‏، بل ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.3)صفحه 159
‏عن «شرح الـروضة» للفاضل الـهندیِّ: «أنّ الـمتقدّمین عمّموا الـحکم ‏‎ ‎‏باعتبار الـمصلحة من غیر استثناء»‏‎[7]‎‏. واستظهر فی «مفتاح الـکرامة» من ‏‎ ‎‏ «الـتذکرة»‏‎[8]‎‏ فی باب الـحجر، نفی الـخلاف فی ذلک بین الـمسلمین‏‎[9]‎‏. ‏‎ ‎‏وقال الـشیخ ‏‏رحمه الله‏‏: «بل استظهر فی «مفتاح الـکرامة»‏‎[10]‎‏ الإجماع ـ تبعاً ‏‎ ‎‏لشیخه فی «شرح الـقواعد»‏‎[11]‎‏ ـ علی إناطة جواز تصرّف «الـولیّ ‏‎ ‎‏بالـمصلحة، ولیس ببعید»‏‎[12]‎‏ انتهی.‏

‏وتوهّم: أنّ الـمراد من «الـولیِّ» غیر الأب، والـقدر الـمتیقّن من ‏‎ ‎‏معاقد الإجماعات ـ وهی دلیل لبّیِّ ـ الأولیاء الآخرون غیر الآباء والأجداد، ‏‎ ‎‏فهو وإن کان ممکناً ثبوتاً، إلاّ أنّه خلاف الـظاهر منهم، ولا سیّما مع ما أفاده ‏‎ ‎‏الـفاضل الـهندیِّ ‏‏قدس سره‏‏فراجع الـمعاقد، وتدبّر جیّداً.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: کتاب البیع (ج.3)صفحه 160

  • ـ الأنعام ( 6 ) : 152 ، الإسراء ( 17 ) : 34 .
  • ـ یأتی فی الصفحة 283.
  • ـ السرائر 1 : 441 .
  • ـ اُنظر شرائع الإسلام 2 : 78 ـ 79 و171 وجامع المقاصد 4 : 87 ، 5 : 72 .
  • ـ قواعد الأحکام 1 : 125 / السطر 16 .
  • ـ اُنظر الدروس الشرعیة 3 : 318 ، 403 ومسالک الأفهام 3 : 166 و4 : 33 و35 و5 : 136 .
  • ـ المناهج السویّة ( مخطوط ) : 6 .
  • ـ تذکرة الفقهاء 2 : 80 / السطر 34 .
  • ـ مفتاح الکرامة 5 : 260 / السطر 11 .
  • ـ نفس المصدر4 : 217 / السطر 3 .
  • ـ شرح قواعد الأحکام ، الکاشف الغطاء ( مخطوط ) : 71 .
  • ـ المکاسب ، الشیخ الأنصاری : 152 / السطر 23 .