الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

الأمر الثانی : هل مسألة مقدّمة الواجب من المسائل الاُصولیّة؟

الأمر الثانی : هل مسألة مقدّمة الواجب من المسائل الاُصولیّة؟

‏ ‏

‏اختلفت کلمات الأعلام فی أنّ هذه المسألة، من مسائل أیّ من العلوم؟ فهل‏‎ ‎‏هی مسألة کلامیّة؛ بتوهّم أنّ المتکلّم یبحث عن صحّة العقوبة والمثوبة علی‏‎ ‎‏الواجب المقدّمی وعدمها‏‎[1]‎‏؟ وهذا غیر صحیح؛ لأنّ ذلک بعد الفراغ عن أصل‏‎ ‎‏وجوبها، وإلاّ فلا معنی لذلک البحث.‏

‏أم هی مسألة تعدّ من مبادئ الأحکام؟ کما اختاره السیّد الاُستاذ‏‎ ‎‏البروجردی ‏‏قدس سره‏‎[2]‎‏ ـ تبعاً للحاجبیّ والبهائیّ‏‎[3]‎‏، وهو مختار المحشّی المدقّق ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ـ‏‎ ‎‏معلِّلاً: «بأنّ القدماء کانوا یبحثون فی فصل عن معاندات الأحکام وملازماتها،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 7
‏ویسمّونها: المبادئ الأحکامیّة، وهذا منها. ولایکون من مباحث الاُصول؛ لأنّ‏‎ ‎‏موضوعه هو الحجّة فی الفقه، ولا معنیٰ للبحث عن الحجّیة هنا، بل البحث عنها بعد‏‎ ‎‏الفراغ عن أصل وجودها، وماهو محلّ البحث هی الملازمة بین الوجوبین، فإن‏‎ ‎‏کانت الملازمة فالحجیّة أحد المتلازمین علی الآخر واضحة، ولا معنی للبحث، وإن‏‎ ‎‏لم تکن ملازمة فلا معنی للحجّیة».‏

‏وأنت خبیر بما مرّ منّا فی محلّه: من أنّ المعتبر فی العلوم هی المبادئ‏‎ ‎‏التصوّریة، والتصدیقیّة، ولیست مبادئ الأحکام إلاّ راجعة إلیٰ إحداهما‏‎[5]‎‏.‏

‏هذا مع أنّ ما هو محطّ البحث هو حجّیة الملازمة، ولایلزم فی المسائل التی‏‎ ‎‏یحمل علیها «الحجّیة» کونها محلّ الخلاف، کحجیّة القطع، فبعد ثبوت الملازمة‏‎ ‎‏یبحث عن حجّیتها، فیصیر بحث المقدّمة من المبادئ التصدیقیّة لموضوع هذه‏‎ ‎‏المسألة.‏

‏أو هی من المسائل الفقهیّة؛ لأنّ البحث حول المقدّمة یرجع إلیٰ أنّه واجب‏‎ ‎‏شرعاً، أم لا‏‎[6]‎‏؟‏

وفیه :‏ أنّ المنظور فیه هو استکشاف أنّ الملازمة بین الإرادتین ملازمة‏‎ ‎‏عرفیّة، فإن ثبتت الملازمة فیحکم بالوجوب.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ إذا سئل عن الفقیه: «ما الدلیل علیٰ وجوبها؟» فلابدّ وأن‏‎ ‎‏یتمسّک بمثل ذلک، فما هو المبحوث عنه هنا لیس بحثاً فقهیّاً، وإن کان ظاهر عنوان‏‎ ‎‏القوم یوهم ذلک. ولکنّک عرفت: أنّ عنوان البحث ما ذکرناه: وهو أنّه إذا أوجب‏‎ ‎‏الشرع شیئاً، فهل تکون مقدّماته مرادة، أم لا؟ وهذا معناه أنّه هل العقلاء والعرف،‏‎ ‎‏یرون الملازمة حتّیٰ یحکموا بوجود اللاّزم، أم لا؟ فلیتدبّر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 8
‏أم هی من المسائل الاُصولیّة، کما هو المشهور بین أبناء التحصیل،‏‎ ‎‏والمعروف بین أهل النظر‏‎[7]‎‏؛ معلّلین: «بأنّ میزان المسألة الاُصولیّة منطبق علیها؛‏‎ ‎‏لوقوعها فی طریق استنباط الحکم الکلّی الفرعیّ».‏

‏أو هی مسألة فلسفیّة ، وجوه وجهات .‏

فبالجملة :‏ یدور الأمر بین المسلکین؛ فإن قلنا: بأنّ موضوع العلم هی الحجّة‏‎ ‎‏فی الفقه والدلیل علیه، ومسائله متقوّمة بتشخیص تعیّنات تلک الحجّة ومصادیقها،‏‎ ‎‏فالبحث عن هذه المسألة یکون من المبادئ التصدیقیّة.‏

وإن قلنا :‏ بأنّ موضوع العلم ما یمکن أن یقع ... إلیٰ آخره، ومسائله کذا،‏‎ ‎‏فالمسألة من مسائل الاُصول، فتکون النتیجة تابعة لبحث آخر.‏

‏والذی عرفت منّا : أنّ هذه المسألة من المبادئ ، إلاّ أنّه بعد الفراغ عن‏‎ ‎‏الملازمة یقع عنوان الملازمة من مصادیق الحجّة وتعیّناتها؛ بمعنیٰ أنّ أحد‏‎ ‎‏المتلازمین حجّة علی الآخر، فتدبّر.‏

‏ثمّ إنّ الظاهر من کتب القدماء کـ «العدّة»‏‎[8]‎‏ وکتاب أبی الحسین البصریّ‏‎[9]‎‏:‏‎ ‎‏أنّ المسألة لفظیّة. وبناء المتأخّرین علیٰ أنّها عقلیّة صِرفة ومحضة، أو عقلائیّة، غیر‏‎ ‎‏دخیل فیها اللفظ‏‎[10]‎‏.‏

‏وما یتمسّک به من الدلالة الالتزامیّة علیٰ وجود تلک الإرادة‏‎[11]‎‏، غیر واقع فی‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 9
‏محلّه، کما أوضحه السیّد الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ‏‎[12]‎‏.‏

وعلیٰ کلّ تقدیر :‏ تختلف الأدلّة القائمة، ولو کان الاستدلال میزان اللفظیّة‏‎ ‎‏والعقلیّة، فهی مسألة عقلیّة، وعرفیّة، ولفظیّة، فتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 10

  • )) نهایة الأفکار 1 : 259، لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 294 .
  • )) نهایة الاُصول : 154 .
  • )) شرح العضدی : 90 / السطر 21، زبدة الاُصول: 55، هدایة المسترشدین: 191 / السطر 31 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 9 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 51 .
  • )) معالم الدین: 57، لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 293 .
  • )) کفایة الاُصول: 114، أجود التقریرات 1 : 212، نهایة الأفکار 1 : 261، مناهج الوصول 1: 327 ـ 329، محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 295 .
  • )) عدّة الاُصول : 74 .
  • )) المعتمد فی اُصول الفقه 1 : 93 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 212، مناهج الوصول : 327، محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 295 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 261 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 200 ـ 201 ، مناهج الوصول 1 : 327 ـ 328 .