الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

شبهات وتفصّیات

شبهات وتفصّیات

‏ ‏

الاُولی :

‏ ‏

‏لیست الأسباب التولیدیّة والعلل التامّة داخلة فی محطّ البحث؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏الأمر الأوّل والإرادة الاُولیٰ، ترجع من مصبّها ـ بحسب اللفظ والإنشاء ـ إلی العلّة‏‎ ‎‏والسبب؛ لأنّه مورد القدرة والاختیار، دون ذاک.‏

‏ولأنّ العلّة والمعلول لایختلفان إلاّ بالاعتبار فی الخارج؛ فإنّ حرکة الید‏‎ ‎‏والمفتاح واحدة تنسب إلی الید تارة، وإلی المفتاح اُخریٰ، فلایمکن ترشیح الإرادة‏‎ ‎‏الثانیة للعنوان الآخر؛ بعد کونهما بحسب الوجود واحداً‏‎[1]‎‏.‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّ ما هو المحرّر فی محلّه؛ إمکان کون الواجب الشرعیّ هو‏‎ ‎‏المسبّب، ویکفی لاختیاریّته اختیاریّة سببه، ولا داعی إلیٰ تبدیل مصبّ الإرادة‏‎ ‎‏الاُولیٰ.‏

‏هذا مع أنّ ماهو المأمور به نوعاً، یکون له الأسباب المتفرّقة الناقصة، التی‏‎ ‎‏تجمّعها فی العین یستلزم وجود المعلول والمسبّب، ومجرّد تخلّل الإرادة، لایستلزم‏‎ ‎‏تجویز کون الواجب فی هذه المواقف، نفسَ ماهو المأمور به إنشاءً، وفی العلل‏‎ ‎‏التامّة علّته وسببه. بل مع ملاحظة أنّ ماهو مورد الاختیار حقیقة هی الإرادة‏‎ ‎‏الفاعلیّة ـ لا الفعل؛ فإنّه مختار باختیاریّة الإرادة ـ لایلزم انقلاب جمیع الواجبات‏‎ ‎‏الشرعیّة إلی الأمر الآخر، فلیتدبّر.‏

وثانیاً :‏ لیس معنی العلّیة، وحدة وجود العلّة والمعلول، وإن قلنا: بأنّ معنی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 16
‏العلّیة هی التشأن، کما هو المقرّر عند أهله‏‎[2]‎‏.‏

وثالثاً :‏ لیست العلّیة بین حرکة الید والمفتاح کما اشتهر، بل المفتاح بمنزلة‏‎ ‎‏الإصبع یکون حرکته کحرکة جالس السفینة مجازیّة، لا حقیقیّة، وحرکة المعلول‏‎ ‎‏حقیقیّة، لا مجازیّة.‏

ورابعاً :‏ یکفی الاختلاف العنوانیّ الکاشف عن اختلاف الاعتبارین فی‏‎ ‎‏تحصّل الإرادة الثانیة؛ ضرورة أنّ المولیٰ إذا قال: «حرّک المفتاح» فإنّه غیر ما إذا‏‎ ‎‏قال: «حرّک یدک» وإذا کان بین العنوانین فی عالم التشریع اختلاف وغیریّة، فلا‏‎ ‎‏بأس بتعدّد الإرادتین حسبما عرفت من المیزان والملاک فی موضوع البحث. فما‏‎ ‎‏اشتهر فی الأسباب التولیدیّة ـ کالإلقاء والإحراق، والقتل والضرب بالبندقة،‏‎ ‎‏والتقبیل والرجوع فی المطلّقة الرجعیّة‏‎[3]‎‏ ـ غیر تامّ؛ لاختلاف العنوانین حسب‏‎ ‎‏الاعتبار واقعاً فی محیط التشریع.‏

‏وممّا ذکرناه یظهر إمکان توسعة هذه الشبهة إلی العلّة الناقصة بالبیان الذی‏‎ ‎‏تحرّر، مع ما مرّ من جوابه.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لو تمّت هذه الشبهة وهی رجوع الحکم المتعلّق بالمعلول‏‎ ‎‏والمسبّب إلی العلّة والسبب، للزم أوّلاً : إنکار جمیع الواجبات الشرعیّة؛ لأنّ‏‎ ‎‏اختیاریّة تلک الأفعال باختیاریّة إرادة تعلّقت بها، علیٰ ما تقرّر فی مباحث‏‎ ‎‏الإرادة‏‎[4]‎‏، وثانیاً: خروج جمیع المقدّمات الخارجیّة والداخلیّة عن حریم البحث؛‏‎ ‎‏لأنّ المعلول لایحصل إلاّ بعد تجمّع العلل الناقصة، وحیث إن العلّة والمعلول‏‎ ‎‏مختلفان وجوداً فی الاعتبار، وهو غیر کافٍ لتعدّد الإرادة، فیلزم عدم حصول‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 17
‏الإرادة الثانیة متعلّقة بمجموع العلل، فتأمّل.‏

‏ ‏

الثانیة :

‏ ‏

‏لیس المرکّب إلاّ الأجزاء الداخلیّة بالأسر، فإذن لایعتبر الغیریّة والبینونة بین‏‎ ‎‏المقدّمة وذی المقدّمة‏‎[5]‎‏.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لایمکن تعلّق الإرادة التأسیسیّة الثانیة التشریعیّة بالأجزاء؛‏‎ ‎‏للزوم کون الشیء الواحد متعلّق الإرادتین التأسیسیّتین المستقلّتین، وهذا محال‏‎ ‎‏بالبدیهة .‏

وقد یقال :‏ «إنّ المرکّب وذا المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، والمقدّمة‏‎ ‎‏هی الأجزاء بالأسر»‏‎[6]‎‏.‏

‏وأنت خبیر بما فیه وإن قال به «الکفایة» ضرورة أنّ الأجزاء بالأسر، لایعقل‏‎ ‎‏لحاظها إلاّ مجتمعة، فیکون هذا التعبیر والتعبیر الأوّل واحداً.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لایمکن سلب المرکّب عن الأجزاء بالأسر، ولا العکس؛ لما‏‎ ‎‏تحرّر فی محلّه: من أنّ الأجزاء بالأسر مورد اللحاظ الإجمالیّ قهراً، فتکون هی‏‎ ‎‏والمرکّب ـ وهو الأجزاء فی لحاظ الاجتماع ـ واحداً‏‎[7]‎‏، فلا تغفل.‏

‏والذی هو الحقّ ما عرفت : من أنّ المرکّب یکون تحت عنوان واحد،‏‎ ‎‏وموصوفاً بمفهوم فارد، مثل الصلاة والحجّ والاعتکاف والعسکر والثریّا والفوج‏‎ ‎‏والدار، من غیر فرق بین المرکّبات المؤلّفة؛ والمرکّبات الاعتباریّة، والمرکّبات‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 18
‏الحقیقیّة، کالبیت والعسکر والجسم‏‎[8]‎‏، فإذا کان الجزء المزبور یلاحظ حیال الکلّ،‏‎ ‎‏وحذاء المرکّب کالرکوع قبال الصلاة، فیسلب الکلّ ـ وهو عنوان «الصلاة» ـ عنه،‏‎ ‎‏ویسلب هو عن الصلاة، فیحصل الغیریّة فی عالم اللحاظ ویکفی ذلک لتحقّق‏‎ ‎‏الإرادة الثانیة.‏

‏وإذا انضمّ إلی الجزء المزبور جزء آخر ـ کذکر الرکوع ـ فالأمر کذلک،‏‎ ‎‏ولکنّه إذا تراکمت الأجزاء الملحوظة قبال الکلّ؛ بحیث صارت الصلاة صادقة علیٰ‏‎ ‎‏تلک الأجزاء الملحوظة اجتماعاً قبال الکلّ، فلایکون هی المقدّمة، بل هی نفس‏‎ ‎‏ذیالمقدّمة والمرکّب، ولایحصل الغیریّة حینئذٍ حتّیٰ یحصل المتعلّق الآخر‏‎ ‎‏للإرادة الثانیة.‏

‏فما تریٰ فی کلمات العلمین البروجردیّ والوالد الخمینیّ ـ عفی عنهماـ‏‎[9]‎‏،‏‎ ‎‏فهو فی غایة المتانة فی حلّ هذه المشکلة، ولکن لایخلو من قصور؛ لما لایلزم‏‎ ‎‏مراعاة کلّ جزء علیٰ حدة، بل المناط هی ملاحظة مقدار من الأجزاء؛ بحیث‏‎ ‎‏لاینتفی عنوان المسمّیٰ عن الباقیة، فإذا لوحظت ثلاثة أجزاء من الصلاة فهی أیضاً‏‎ ‎‏مقدّمة، وهکذا الاثنان منها والأربعة.‏

‏وأمّا توهّم إمکان لحاظ الجزء قبال الکلّ، مع لحاظ الجزء الآخر فی عَرْض‏‎ ‎‏اللحاظ الأوّل؛ حتّیٰ یلزم عدم صدق المرکّب علی الباقی، ولا علی الجزء‏‎ ‎‏الملحوظ، فهو غیر تامّ؛ لأنّ الجمع بینهما غیر ممکن، لأنّ اللحاظ الأوّل متقوّم بأن‏‎ ‎‏یکون حذاء الجزء مرکّب، ولو کان فی عرضه لحاظ الجزء الآخر ممکناً، للزم‏‎ ‎‏انحلال المرکّب رأساً، لا لحاظ الجزء قبال الکلّ، فلیتبصّر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 19
إن قلت :‏ إذا کان المرکّب ذا جزئین ، أو لوحظ نصف أجزاء الصلاة ؛‏‎ ‎‏بحیث لایصدق علیٰ کلّ واحد من القسمین عنوان «الصلاة» فیلزم خروج هذا عن‏‎ ‎‏حریم النزاع.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ بناءً علیٰ هذا، یلزم خروج الأجزاء المتقدّمة بالتقدّم‏‎ ‎‏التجوهریّ عن محطّ التشاحّ؛ لأنّ الطبیعة لیست صادقة علی الجزء الآخر.‏

قلت :‏ یلاحظ الجزء تارة: بعنوان الجزئیّة حذاء الکلّیة، ویکون عنوانهما‏‎ ‎‏فعلیّین، واُخریٰ: ذات الجزء حذاء الکلّ. فإنّه إذا لوحظ الأوّل فلا تقدّم، ولا تأخّر،‏‎ ‎‏ویکون ـ لمکان التضایف بین العنوانین ـ ملازمة فی الاعتبار والانتزاع.‏

‏وإذا لوحظ الثانی، فلایلزم عدم صدق الکلّ؛ لأنّ ما فی الکلّ هو عنوان‏‎ ‎‏الکلّ، والجزء مغفول عنه، وفانٍ فیه، فیصحّ أن یقال: «الجسم مرکّب، وأحد الجزءین‏‎ ‎‏منه الصورة» فإنّ قولنا: «أحد جزئیه الصورة» فی حال لحاظ الجسم إجمالاً؛ وفانیاً‏‎ ‎‏فیه ماهو جزؤه الواقعیّ بالفعل، لا ماهو جزؤه الشأنیّ.‏

‏فما هو جزؤه الواقعیّ الفعلیّ، هو موجود معه، ومورث لصدق «الجسم»‏‎ ‎‏ولحاظه، وماهو لیس بجزئه الفعلیّ یقع حذاء الجسم، ولایورث سلب صدق‏‎ ‎‏«الجسم» وعدم إمکان لحاظه الإجمالیّ، فافهم واغتنم جدّاً.‏

إن قلت :‏ لیس الجزء الداخلیّ من المقدّمات الخارجیّة، کما تریٰ، ولا من‏‎ ‎‏الداخلیّة؛ لأنّ الکلّ ـ وهو المرکّب ـ یتحقّق بدونه.‏

مثلاً :‏ الرکوع علیٰ هذا، جزء المرکّب، ولکنّه یتحقّق بدونه؛ لصدق المرکّب‏‎ ‎‏ـ علیٰ ما تقرّر فی الصحیح والأعمّ‏‎[10]‎‏ ـ علیٰ بقیّة الأجزاء. فما هو المقدّمة ما‏‎ ‎‏لایتحقّق المرکّب إلاّ به، وما لا یتحقّق المرکّب إلاّ به یکون ـ علیٰ ما فرضتم ـ‏‎ ‎‏غیر مقدّمة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 20
وبعبارة اُخریٰ:‏ لحاظ کلّ جزء مقدّمة، لایستلزم إلاّ عدم کونه مقدّمة؛ لتحقّق‏‎ ‎‏المرکّب بدونه. ولحاظ المجموع بالأسر مقدّمة ـ کما صنعه «الکفایة»‏‎[11]‎‏ ـ لایستلزم‏‎ ‎‏إلاّ کون المقدّمة نفس المرکّب، فعلیه تکون الأجزاء خارجة عن محطّ البحث، کما‏‎ ‎‏أفاده العلاّمة الأراکیّ ‏‏قدس سره‏‎[12]‎‏.‏

قلت :‏ الجزء تارة: یلاحظ بالنسبة إلی الطبیعة بما هی طبیعة، واُخریٰ: یلاحظ‏‎ ‎‏إلی الکلّ والطبیعة بما هی مأمور بها:‏

‏فعلی الأوّل : الأمر کما تحقّق، ولیس البحث حوله، وعلی الثانی: لیس کما‏‎ ‎‏توهّم؛ لأنّ المأمور به لایتحقّق إلاّ به، وهذا هو محلّ النزاع.‏

‏ ‏

الثالثة :

‏ ‏

‏قد استشکل العلاّمة المحشّی «للمعالم» بإشکال آخر علی الأجزاء‏‎ ‎‏الداخلیّة: بأنّ دخولها یستلزم اتصاف الشیء الواحد بوجوبین؛ أحدهما: نفسیّ‏‎ ‎‏متعلّق بالکلّ، والثانی: غیریّ متعلّق بالأجزاء، وحیث إنّها لیست إلاّ الکلّ، فیلزم‏‎ ‎‏اتّحاد موضوعهما‏‎[13]‎‏.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ منشأ هذه الشبهة؛ عدم إمکان کیفیّة تصویر الجزء والکلّ،‏‎ ‎‏والخلط بین ماهو الموقوف علیه، وما هو الموقوف، وبعدما أحطت إحاطة کاملة‏‎ ‎‏بأنّ الموضوع للوجوب النفسیّ هو الکلّ، والموضوع للوجوب الغیریّ هو الجزء‏‎ ‎‏الملحوظ حیال الکلّ، فلایبقیٰ لهذه الشبهة مورد.‏

‏وربّما یتخیّل إمکان اجتماع الوجوبین، کما فی موارد النذر، وفی مثل صلاة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 21
‏الظهر بالنسبة إلی العصر‏‎[14]‎‏.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّه فی مورد الأوّل لایبقی الوجوبان بحالهما، بل یرجعان إلی‏‎ ‎‏الواحد؛ علی ما اشتهر‏‎[15]‎‏، وهذا فیما نحن فیه غیر صحیح؛ للزوم کون الإرادة الثانیة‏‎ ‎‏والإرادة النفسیّة متداخلتان، فیرجع إلی الإرادة الواحدة النفسیّة الشدیدة بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الظهر، وهی غیر کافیة لما هو الغرض فی بحث المقدّمة؛ من الثمرة الفرضیّة‏‎ ‎‏الآتی بیانها‏‎[16]‎‏.‏

‏مع أنّ قضیّة ما سلف منّا‏‎[17]‎‏: أنّ مورد الإرادة النفسیّة العبادیّة فی الواجب‏‎ ‎‏المنذور هی الظهر، ومورد الإرادة النفسیّة التوصلیّة عنوان «الوفاء بالنذر»‏‎ ‎‏فلا معنیٰ للتداخل.‏

‏وفی المورد الثانی، لیس الظهر بما هو ظهر مورد الإرادة المقدّمیة، بل هو‏‎ ‎‏بعنوان «التوقّف والوقوف علیه» وهذا متّحد مع عنوان «الظهر» فی الخارج،‏‎ ‎‏ومختلف معه فی محیط التشریع والجعل، فلاتغفل، وتأمّل.‏

‏ ‏

الرابعة :

‏ ‏

‏ما مرّ من الشبهات علی الأجزاء الداخلیّة، یأتی علی القیود المأخوذة فی‏‎ ‎‏الطبیعة. وخروج هذه القیود عن مسمّی الطبائع ـ کما فی الأعمّ والصحیح علیٰ ما‏‎ ‎‏قیل‏‎[18]‎‏، خلافاً للحقّ ـ لایستلزم خروجها عن محطّ النزاع فی هذه المسألة؛ لأنّ‏‎ ‎‏مناط البحث: هو أنّ إیجاب شیء، هل یستلزم الإیجاب الآخر، أو إرادة اُخریٰ، أم‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 22
‏لا؟ وإذا کانت القیود واردة فی محلّ الهیئة، فهی کالأجزاء. وتوهّم خروجها عن‏‎ ‎‏منصرف کلمات الأعلام، لایورث قصوراً فی ملاک البحث.‏

‏ ‏

الخامسة :

‏ ‏

‏ربّما یشکل دخول أمثال الطهارات الثلاث فی محلّ البحث؛ وذلک لأنّ ماهو‏‎ ‎‏قید المأمور به، لیس الغسل والوضوء والتیمّم، بل القید هو المعنی المحصّل منها،‏‎ ‎‏فکلّ ما کان من هذا القبیل فهو خارج؛ لأنّ دخوله واندراجه فی البحث، فرع ثبوت‏‎ ‎‏الملازمة بین إرادة الکلّ وإرادة القید، حتّیٰ یقال: بأنّ الإرادة الثانیة المتعلّقة بالقید،‏‎ ‎‏تستتبع الإرادة الثالثة المتعلّقة بمحصّلات القیود؛ بناءً علیٰ أعمّیة مورد البحث من‏‎ ‎‏الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة والمقدّمة، أو إرادة المقدّمة وإرادة مقدّمة المقدّمة،‏‎ ‎‏وبناءً علیٰ دخول العلّة التامّة فی البحث، کما مضیٰ وعرفت‏‎[19]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ ماهو الأقویٰ عند بعض ؛ هو أنّ المقدّمة والواجب الشرطیّ، لیس‏‎ ‎‏إلاّ هذه الغسلات الخارجیّة؛ مع عدم تخلّل إحدی النواقض بینها وبین المرکّب، وأمّا‏‎ ‎‏حصول الأمر النفسانیّ منها فی النفس؛ وأنّه هو الشرط، فهو غیر مبرهن علیه،‏‎ ‎‏ویصیر هذا من قبیل شرطیّة الظهر للعصر‏‎[20]‎‏. هذا أوّلاً، فتأمّل.‏

وثانیاً :‏ لایمکن التفکیک بین الإرادة الثانیة والثالثة، فمن التزم بالملازمة؛ فهو‏‎ ‎‏لأجل ملاک یأتی فی المرحلة المتأخّرة أیضاً وهکذا. ولا معنیٰ لکون البحث حول‏‎ ‎‏الملازمة بین الإرادة النفسیّة وغیرها، بل الجهة المبحوث عنها أعمّ منها ومن ذلک.‏

وملاکه :‏ هو أنّ الإرادة المتعلّقة بشیء هل تستتبع إرادة اُخریٰ متعلّقة بما‏‎ ‎‏یتوقّف علیه ذاک الشیء، أم لا؟ سواء کانت تلک الإرادة نفسیّة، أم مقدّمیة. ولذلک‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 23
‏لابدّ من کون عنوان البحث هکذا، لا أنّ إیجاب شیء هل یکون کذا، أم لا؟ حتّیٰ‏‎ ‎‏یقال: بأنّ خصوصیّة الإیجاب والإنشاء والإبراز، داخلة فی محطّ الکلام.‏

‏وممّا یترتّب علی العنوان المزبور، شمول البحث لما إذا کانت إرادة المولیٰ‏‎ ‎‏معلومة بالقرائن، لا بالإنشاء، فإنّه أیضاً مندرج فی محطّ النزاع، کما لایخفیٰ.‏

وثالثاً :‏ أنّ مقدّمة المقدّمة، ومحصّل المقدّمة، وعلّة القید والجزء، إذا لوحظت‏‎ ‎‏نسبة الکلّ إلیها، یکون بینهما الغیریّة والتوقّف، فیکون داخل البحث، ولایلزم مراعاة‏‎ ‎‏المقدّمات القریبة حتّیٰ یشکل الأمر هنا، کما هو الظاهر.‏

‏فالمحصول ممّا قدّمناه إلیٰ هنا: اندراج جمیع هذه الاُمور فی محطّ البحث‏‎ ‎‏ومصبّ التشاحّ بلا شبهة.‏

‏نعم، الجزء بما هو جزء وهو فانٍ فی الکلّ، لایمکن لحاظه؛ لأنّه باللحاظ‏‎ ‎‏یخرج عن الجزئیّة الفعلیّة، ویصیر جزءً شأنیّاً.‏

‏وعلیه لایعقل اعتبار الاثنینیّة بین الجزء الفعلی والکلّ؛ لأنّ حقیقة الجزء‏‎ ‎‏الفعلیّ مرهونة بالغفلة، وإذا نظرنا إلیه فهو بحذاء الکلّ، فما تریٰ فی کلمات المدقّق‏‎ ‎‏المحشّی ‏‏قدس سره‏‎[21]‎‏ لایخلو عن التأسّف ؛ والبحث بعد کونه عرفیّاً لا نرد مناهله العقلیّة.‏

‏ ‏

السادسة :

‏ ‏

‏ربّما یشکل اندراج الأجزاء الخارجیّة التعبّدیة ـ وهی فی الاصطلاح‏‎ ‎‏الصحیح مثل الطهارات الثلاث، قبال المقدّمات الوجودیّة، والأجزاء الداخلیّة،‏‎ ‎‏والقیود والشروط ـ لأجل أنّ الالتزام بالملازمة، یستلزم سقوطها عن المقدّمیة.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ الأجزاء الخارجیّة التعبّدیة، لایمکن أن تکون واردة مورد‏‎ ‎‏البحث، بخلاف الخارجیّة التوصلیّة؛ وذلک لأنّ مقدّمیتها موقوفة علیٰ عدم ثبوت‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 24
‏الإرادة الثانیة، وإلاّ یلزم عدم کونها قابلة لکونها مقدّمة؛ وذلک لما سیأتی تفصیله فی‏‎ ‎‏تقسیم الواجب إلی النفسیّ والغیریّ؛ وأنّ الواجب الغیریّ لیس تعبّدیاً وقربیّاً‏‎[22]‎‏،‏‎ ‎‏فإذن لایمکن الإتیان بالطهارات الثلاث علیٰ وجه التقرّب والعبادة؛ لأنّ الباعث‏‎ ‎‏نحوها الأمر الغیریّ، وما یمکن أن ینبعث عنه العبد هو الأمر الغیریّ، ومِن وجوده‏‎ ‎‏یلزم عدمه؛ لأنّه یدعو إلی المقدّمة وما هو الموقوف علیه، ولا یعقل امتثال مثله؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة، لایعقل أن یکون توصّلیّاً، فالأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالوضوء کذلک، وهکذا.‏

أقول :‏ قد اُجیب عن هذه الشبهة فی تلک المسألة بأجوبة عدیدة‏‎[23]‎‏، کلّها غیر‏‎ ‎‏مصدّقة، ولعلّ أمتن الأجوبة : هو أنّ عبادیّة الشیء لیست بالانبعاث عن الأمر‏‎ ‎‏والامتثال فقط، بل عبادیّة الشیء تابعة لما عرفت تفصیله فی التعبّدی والتوصّلی‏‎[24]‎‏،‏‎ ‎‏فیکون علیٰ هذا ماهو المبعوث إلیه بالأمر الغیریّ عبادة، ولا یتقوّم عنوان العبادة إلاّ‏‎ ‎‏بکون العمل ممّا یتقرّب به عرفاً أو شرعاً.‏

‏ولو کانت العبادة متقوّمة بالأمر، للزم أن یکون نهی المشرکین عن عبادة‏‎ ‎‏الأوثان غیر جدّی، مع أنّهم کانوا یعبدون الأصنام، فنهاهم الشرع الأقدس، وهل هذا‏‎ ‎‏إلاّ أنّها لیست متقوّمة بالأمر؟! ولا یضرّالانبعاث عن الأمر الغیریّ بالعبادیّة، بعد کون‏‎ ‎‏الأمر داعیاً إلیٰ متعلّقه؛ وهی العبادة، وماهو الموضوع لأن یعبد ویتقرّب به لله تعالیٰ.‏

‏ ‏

السابعة :

‏ ‏

‏المشهور فی ألسنة جماعة : أنّ الأجزاء واجبة بالوجوب الضمنیّ، فلایعقل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 25
‏اتصافها بالوجوب الغیریّ‏‎[25]‎‏؛ لأنّهما کالوجوب والحرمة فی التعاند والتخالف.‏‎ ‎‏ومعنی «الوجوب الضمنیّ» هو الوجوب الانبساطی، فهی واجبات بمثله.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ العناوین المرکّبة بسائط عرفیّة، وتکون الأجزاء فی ظرف‏‎ ‎‏لحاظها موضوعاً للأمر، مغفولاً عنها؛ وأنّ المولیٰ لایریٰ إلاّ الصّلاة والحجّ، فلا معنیٰ‏‎ ‎‏للوجوب الانبساطیّ رأساً؛ وأنّه من الأغلاط الأوّلیة الشائعة بین الفضلاء،‏‎ ‎‏ولایتوجّهون إلیٰ ما یقولون: من التجزئة فی الأمر؛ فإنّ التجزئة فی الاُمور‏‎ ‎‏الاعتباریّة ممکنة، کما ذکرناه فی العقد الواقع علی المجموع المرکّب من ماله ومال‏‎ ‎‏غیره، من غیر الانحلال إلی العقدین . ولکنّه فی موقف أساس الحاجة؛ لتقوّم‏‎ ‎‏البناءات العقلائیّة به، لا جزافاً وقهراً، ولا ثمرة لهذه التجزئة فی المقام بعد ارتباطیّة‏‎ ‎‏المرکّب حسب الفرض.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لایعقل تجزئة الواحد الاعتباریّ إلاّ بلحاظ متعلّقه، وإذا تجزّأ‏‎ ‎‏فیصیر کلّ واجباً مستقلاًّ، ولایعقل حینئذٍ اعتبار الأقلّ والأکثر، وهذا خلف.‏

‏وممّا یشهد علی التجزّی: ما أفاده القوم فی إرث الخیار‏‎[26]‎‏ ولکنّک تعلم أنّه‏‎ ‎‏یرجع إلی استقلال کلّ من الورّاث. فی إعمال حصّته من الخیار، وهذا فیما نحن فیه‏‎ ‎‏غیر مطلوب قطعاً.‏

‏ولو کان التجزّی المزبور صحیحاً، لکان یصحّ انّه ینبعث عن تلک الأوامر‏‎ ‎‏الجزئیّة، مع عدم اطلاعه علیٰ عنوان «الصّلاة» وأمر الکلّ، ولا أظنّ التزامهم به،‏‎ ‎‏فالوجوب الضمنیّ من المجازات لا الحقائق، فلا تخلط.‏

‏هذا مع أنّ متعلّق الوجوب الضمنیّ، غیر متعلّق الوجوب الغیریّ؛ فإنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 26
‏الأجزاء الموصوفة بالضمنیّة هی حال فنائها فی الکلّ، حتّیٰ یکون الکلّ وتلک‏‎ ‎‏الأجزاء واحدة، فیکون واجباً ضمنیّاً نفسیّاً، وما هو الموصوف بالوجوب الغیریّ،‏‎ ‎‏هو ذات الجزء الملحوظ إزاء الکلّ وقباله، علی الوجه الذی عرفت‏‎[27]‎‏.‏

‏مع أنّ الجمع بین الوجوبین، لایلزم مع قطع النظر عمّا سمعت؛ لأنّ ماهو‏‎ ‎‏مصبّ الأمر الغیریّ هو عنوان «الموقوف علیه والمحتاج إلیه» لا ذات الجزء‏‎ ‎‏فلاتخلط جدّاً.‏

‏هذا مع أنّ قضیّة الانحلال إلی الوجوبات الضمنیّة، الانحلال إلی القیود‏‎ ‎‏الوجودیّة کالطهارة، والقیود العدمیّة کعدم القِران وهکذا، ولا أظنّ التزامهم به.‏

‏ولعمری، إنّ أساس شبهات الأعلام فی المقام‏‎[28]‎‏، قصور باعهم عن الاطلاع‏‎ ‎‏علیٰ کیفیّة اعتبار المرکّبات وأجزائها، مع خلطهم بین الاتحاد والغیریّة فی الخارج‏‎ ‎‏ومحیط التشریع، ولذلک تریٰ أنّه نسب إلی العلاّمة الأراکیّ ‏‏رحمه الله‏‎[29]‎‏ أو غیره‏‎[30]‎‏، بل‏‎ ‎‏والشیخ الأنصاری ‏‏قدس سره‏‎[31]‎‏: أنّ دخول الأجزاء فی محطّ النزاع، منوط بکون مصبّ‏‎ ‎‏الأوامر الصور الذهنیّة، لا الخارج، وحیث إنّ المأمور به هو الوجود، لا الصورة، ولا‏‎ ‎‏الطبیعة، فلایعقل التعدّد بین الکلّ والجزء؛ لاتحادهما فی الوجود.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ من یقول: بأنّ المأمور به هو الوجودات‏‎[32]‎‏، لیس مقصوده‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 27
‏الوجود بالحمل الشائع، فإذن لابدّ وأن یلزم التفکیک فی محیط التشریع. مع أنّک قد‏‎ ‎‏عرفت: أنّ متعلّق الأمر هی الطبیعة‏‎[33]‎‏، ومسألة الوجود والإیجاد من اللّوازم العقلیّة‏‎ ‎‏التی تدخل فی محطّ البحث هنا أیضاً، وإن کان الوجود والطبیعة فی الخارج‏‎ ‎‏متّحدین هویّة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 28

  • )) أجود التقریرات 1 : 219، منتهی الاُصول 1 : 283 .
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 299 ـ 301 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 219، منتهی الاُصول 1 : 283.
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 43 ـ 48 .
  • )) هدایة المسترشدین: 216، أجود التقریرات 1 : 216، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 264 ـ 268، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 313 ـ 319، تهذیب الاُصول 1 : 204 .
  • )) کفایة الاُصول : 115 .
  • )) لاحظ الحکمة المتعالیة 2 : 37 ـ 44 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 13 .
  • )) نهایة الاُصول : 155 ـ 156 ، مناهج الوصول 1 : 329 ـ 332 ، تهذیب الاُصول 1 : 204 ـ 206 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 226 ـ 230 .
  • )) کفایة الاُصول : 115 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 262 .
  • )) لاحظ هدایة المسترشدین : 216 .
  • )) لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 299 ـ 301 .
  • )) لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 301 .
  • )) یأتی فی الصفحة 250 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 269 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 75 ـ 76 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 12 .
  • )) التنقیح فی شرح العروة الوثقیٰ 3 : 515 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 26 ـ 27 .
  • )) یأتی فی الصفحة 170 ـ 175 .
  • )) کفایة الاُصول : 139 ـ 140، نهایة الأفکار 1 : 327 ـ 328، تهذیب الاُصول 1: 253.
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 113 ـ 117 .
  • )) لاحظ نهایة الأفکار 1 : 268، نهایة الاُصول  : 157 .
  • )) قواعد الأحکام 1 : 143 / السطر22 ، منیة الطالب 2 : 158 / السطر 20 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 18 ـ 20 .
  • )) کفایة الاُصول : 115، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 267 ـ 268، نهایة الأفکار 1 : 262 ـ 269، نهایة الاُصول : 157، منتهی الاُصول 1: 278.
  • )) لاحظ بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 313 ـ 314 ، مقالات الاُصول 1 : 292 .
  • )) منتهی الاُصول 1 : 279 .
  • )) مطارح الأنظار: 40 / السطر 1 ـ 8 ، لاحظ درر الفوائد، المحقّق الحائری : 123 ـ 124.
  • )) منتهی الاُصول 1 : 268 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 228 .