الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

خروج شرائط التکلیف عن محطّ البحث

خروج شرائط التکلیف عن محطّ البحث

‏ ‏

‏ثمّ إنّک بعد الإحاطة بما أسمعناک ، تجد أنّ البحث عن شرائط التکلیف‏‎ ‎‏المتقدّمة زماناً علیه، أو المتأخّرة عنه، أو المقارنة معه، خارج عن محطّ البحث‏‎ ‎‏فیما نحن فیه؛ ضرورة أنّ الکلام هنا حول الملازمة بین الإرادة الموجودة المتعلّقة‏‎ ‎‏بذی المقدّمة، وإرادة اُخریٰ متعلّقة بالمقدّمة، وأمّا شرط نفس تعلّق الإرادة الاُولیٰ‏‎ ‎‏فهو بحث آخر، ومجرّد اشتراک الکلّ فی المحذور العقلیّ لایصحّح إسراء الکلام‏‎ ‎‏إلیٰ غیر المقام.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ المراد من شرائط التکلیف المتقدّمة زماناً، أو المتأخّرة‏‎ ‎‏زماناً؛ هو ما إذا تخلّل الزمان بین الشرط والمشروط، فیکون فی الزمان الأوّل‏‎ ‎‏الشرط موجوداً، ثمّ انعدم وبلغ الزمان الثانی الذی هو زمان التکلیف، أو انقضیٰ‏‎ ‎‏زمان التکلیف، ثمّ بلغ زمان الشرط، مثل عقد الفضولیّ بالنسبة إلی الإجازة، وصوم‏‎ ‎‏المستحاضة بالنسبة إلی الأغسال اللیلیّة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 33
‏وهذا مثل ما إذا فرضنا أنّ قدرة المکلّف فی الخارج، شرط التکلیف، فإن‏‎ ‎‏کانت هی حاصلة حین التکلیف فهو، وإلاّ فإن کانت حینه معدومةً، ثمّ وجدت حین‏‎ ‎‏الامتثال، فإنّه داخل فی محطّ البحث. أو قلنا: بأنّه فی مثل «إن جاءک زید فأکرمه‏‎ ‎‏غداً» یکون الوجوب بعد تحقّق المجیء ـ وهو الشرط ـ حاصلاً بعد مضیّ الیوم، لا‏‎ ‎‏بعد تحقّق المجیء بلا فصل، فإنّه یندرج فی محطّ البحث.‏

‏وأمّا إرجاع هذا إلی الشرط المقارن؛ وأنّ ماهو الشرط هو الوجود اللحاظیّ‏‎ ‎‏والذهنیّ، ولایکون القدرة ـ بالحمل الشائع ـ شرط تحقّق الإرادة الجدّیة؛ لا فی‏‎ ‎‏الخطاب الشخصیّ، ولا فی القانونیّ‏‎[1]‎‏، فهو خروج عن الجهة المبحوث عنها، وإلاّ‏‎ ‎‏فهو من الواضح الذی لا غبار علیه فی التکالیف الشخصیّة فی القضایا الخارجیّة.‏

‏نعم، ربّما استشکل العلاّمة النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی الخطابات الکلّیة التی تکون بنحو‏‎ ‎‏القضایا الحقیقیّة؛ معلّلاً: «بأنّ المجعول والجعل والفعلیّة والإنشاء فی الخطاب‏‎ ‎‏الشخصیّ، متّحدا الزمان، ولا یکون تفکیک بین زمان الجعل الإنشائیّ، وزمان فعلیّة‏‎ ‎‏التکلیف؛ لحصول شرطه وفی القضایا الحقیقیّة مختلفا الزمان؛ فإنّه یمکن أن یتحقّق‏‎ ‎‏الحکم الإنشائیّ، ولایکون هذا فعلیّاً؛ لعدم استجماع شرائطه. وشرائط هذا هی‏‎ ‎‏الاُمور الخارجیّة الموجودة فی عمود الزمان، لا الذهنیّة واللحاظیّة؛ لأنّها من قیود‏‎ ‎‏الموضوعات، وقیود الموضوعات للتکالیف لابدّ من تحقّقها؛ لأنّ نسبة الموضوع‏‎ ‎‏إلی الحکم نسبة العلّة إلیٰ معلولها»‏‎[2]‎‏.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ هذا التفصیل أیضاً أجنبیّ عن البحث؛ لأنّ معنیٰ هذا هو أنّ‏‎ ‎‏فعلیّة التکلیف، لاتحصل إلاّ مع اقترانها بالقیود المعتبرة فیها زماناً، وهذا لاینافی ما‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 34
‏سلکه «الکفایة» وغیره‏‎[3]‎‏؛ لأنّهم لیسوا بصدد بیان جمیع مراحل التکلیف، بل هم‏‎ ‎‏بصدد دفع الشبهة المعروفة: وهی أنّه مع عجز المکلّف حین التکلیف، کیف یمکن‏‎ ‎‏ترشّح الإرادة الجدّیة من المولی الملتفت؟!‏

‏فاُجیب : بأنّ ماهو شرط الفعل الاختیاریّ لیس القدرة بالحمل الشائع، بل‏‎ ‎‏المیزان علم المکلّف بالقدرة، فإنّه کافٍ.‏

‏مع أنّ القدرة علی الامتثال فی ظرفه، کافیة لحصول الجدّ من الأوّل؛ لأنّ‏‎ ‎‏الغرض یحصل بها سواء کانت حاصلة حین التکلیف، أم لم تکن. ونظیره فی‏‎ ‎‏الوضعیّات بیع السلف، فإنّ العجز حین النقل، لایورث قصوراً فی الإرادة الجدّیة،‏‎ ‎‏کما هو الظاهر.‏

فتحصّل :‏ أنّ الأعلام مع ورودهم فیما هو الخارج عن البحث فی هذه‏‎ ‎‏المسألة، لم یکونوا واردین فیما هو مورد البحث فی الشرط المتقدّم والمتأخّر‏‎ ‎‏زماناً، فإنّ البحث حول ما یکون متقدّماً زماناً، ویکون هو شرطاً، لا أثره الباقی‏‎ ‎‏کالطهارة والوضوء.‏

فبالجملة :‏ لو سلّمنا أنّ شرائط التکلیف، قابلة لإدراجها فی هذه المسألة؛‏‎ ‎‏لأنّها بعد فرض تحقّق الوجوب فعلاً قبل تحقّق شرطه، یأتی الکلام : وهو أنّ بین‏‎ ‎‏هذه الإرادة وإرادة الشرط، أیضاً ملازمة، أم لا؛ لأنّ من الممکن ترشّح الإرادة‏‎ ‎‏الاُخریٰ بعد فعلیّة الإرادة الاُولیٰ وتعلّقها بالشرط المتأخّر.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ هذا خلف؛ لرجوعه إلی الوجوب غیر المشروط،‏‎ ‎‏لأنّه إذا وجب تحصیل الشرط یلزم ذلک، فیکون لأجله شرط التکلیف خارجاً عن‏‎ ‎‏بحث الملازمة.‏

فتحصّل :‏ أنّه لاینبغی الخلط بین الجهة المبحوث عنها فی بحث المقدّمة،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 35
‏وبین شرائط التکلیف. ولاینبغی أیضاً الخلط بین ماهو الشبهة فی شرائط المأمور‏‎ ‎‏به، وبین ماهو شرط التکلیف فی مثل القدرة المعتبرة فی تحقّق الإرادة؛ فإنّ ماهو‏‎ ‎‏مصحّح حصول الإرادة، لیس إلاّ الصور العلمیّة الحاصلة فی نفس المولیٰ، وهذا‏‎ ‎‏لیس ـ کما عرفت ـ حلاًّ للشبهة.‏

‏فإذا عرفت ذلک فالحقّ: أنّه مع إمکان الالتزام بالشرط المتأخّر فی شرائط‏‎ ‎‏المأمور به، یمکن ذلک فی شرائط التکلیف أیضاً قطعاً؛ لأنّ ما یأتی من الأجوبة‏‎ ‎‏لتصحیح الشرط المتأخّر واقعاً، یأتی جواباً عنها فی هذه المسألة‏‎[4]‎‏ فانتظر، وما هو‏‎ ‎‏الصحیح من بین تلک الأجوبة هو الصحیح هنا ؛ لوحدة المناط والملاک شبهةً، فافهم‏‎ ‎‏وتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 36

  • )) لاحظ کفایة الاُصول : 118 ـ 119 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 275 ـ 276، و4: 174 ـ 175 .
  • )) کفایة الاُصول: 118 ـ 119، نهایة الأفکار 1 : 279 ـ 281 .
  • )) یأتی فی الصفحة 38 ـ 42 .