الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

التحقیق فی المشروط إثباتاً

التحقیق فی المشروط إثباتاً

‏ ‏

‏إذا أحطت خبراً بما فی هذه المقالة فی مرحلة الثبوت، تصل النوبة إلیٰ‏‎ ‎‏مرحلة الإثبات فی القضیّة الشرطیّة، فإن کانت تلک القضیّة من قبیل قوله تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏وَلِلّٰهِ عَلَی النّٰاسِ حِجَّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَیْهِ سَبِیلاً‏»‏‎[1]‎‏ فهو ظاهر فی أنّه اعتبر‏‎ ‎‏قید الاستطاعة مفروض الوجود؛ فإنّ الوجوب مطلق، والموضوع له الإطلاق،‏‎ ‎‏والقید المأتیّ به بصیغة الماضی؛ لإفادة مفروضیّة وجوده عند الإیجاب. وهذا من‏‎ ‎‏الواضح البیّن عند المنصف الخبیر، الواقف علی أسالیب العربیّة.‏

‏وأمّا فی القضایا الشرطیّة المتعارفة، مثل قوله تعالیٰ: ‏‏«‏إنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأً فَتَبَیَّنُوا‏»‏‎[2]‎‏ والمثال المعروف: «إن جاءک زید فأکرمه» فلا شبهة فی أنّه لیس ظاهراً‏‎ ‎‏فی مفروضیّة وجود المجیء، ولا فی رجوعه إلیٰ عنوان الموضوع، ولا فی کونه قید‏‎ ‎‏المادّة اللاّزم تحصیله، فیبقی احتمالان آخران:‏

أحدهما :‏ ما عن المشهور؛ من کونه قید مفاد الهیئة وهو الوجوب‏‎[3]‎‏. وقد‏‎ ‎‏عرفت الإشکال فیه‏‎[4]‎‏.‏

ثانیهما :‏ ما علیه بناؤنا واخترعناه ؛ وهو أن الشرط مورث لتعلیق الاستعمال،‏‎ ‎‏ویکون الهیئة قبل تحقّق الشرط غیرَ مفیدة لفائدتها؛ وهی البعث والإغراء‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 71
‏والتحریک الاعتباریّ نحو المطلوب. وهذا الوجه هو الموافق لظاهر الاُسلوب،‏‎ ‎‏والمساعد علی البرهان الماضی تفصیله‏‎[5]‎‏.‏

إن قلت :‏ بناءً علیه یلزم الاختلاف بین مرحلتی الثبوت والإثبات؛ فإنّه فی‏‎ ‎‏مرحلة الثبوت، یکون الطلب قبل المجیء فعلیّاً، وفی مرحلة الإثبات، یکون الهیئة‏‎ ‎‏غیر مفیدة للطلب النفسانیّ، وإذن لابدّ من صرف الظاهر إلیٰ ماهو المعلوم ثبوتاً؛‏‎ ‎‏لأنّ الإثبات تابع الثبوت بعد معلومیّته بالدلیل الخارج.‏

قلت :‏ نعم، ولکن لایلزم ذاک وذلک؛ لأنّ الاطلاع علیٰ إرادة المولیٰ من‏‎ ‎‏الخارج، وإن کان یستلزم الإطاعة حسب حکم العقل؛ لعدم الخصوصیّة للألفاظ‏‎ ‎‏والإظهار بطریق الاستعمال، ولکن إذا کان المولیٰ بصدد جعل الحکم علیٰ وجه‏‎ ‎‏لایورث المشقّة، ولا یولّد الصعوبة علی المکلّفین، أو احتملنا ذلک، فله أن یأتی‏‎ ‎‏لإفادة مرامه بالقضیّة الشرطیّة، حتّیٰ یظهر أنّ العباد فی سعة من تحصیل المقدّمات.‏

وتوهّم :‏ أنّه لایختلف الحال بین کون الوجوب فعلیّاً، والقید مفروض‏‎ ‎‏الوجود، وبین کونه غیر فعلیّ، فاسد جدّاً؛ ضرورة أنّ الطلب الفعلیّ باعث نحو‏‎ ‎‏المقدّمات، بناءً علیٰ ثبوت الملازمة بحکم العقل، فإنّه إذا کان الإکرام واجباً عند‏‎ ‎‏مجیء زید، وکان مجیء زید معلوماً، وماهو مفروض الوجود معلوماً تحقّقه، یجب‏‎ ‎‏علی العبد تحصیل مقدّمات الضیافة والإکرام، بخلاف الطلب الإنشائیّ وما بحکمه،‏‎ ‎‏فإنّه لایجب عند الأکثر، وإن أوجبه شیخ المشایخ العلاّمة الحائری ‏‏رحمه الله‏‏ کما یأتی‏‎[6]‎‏.‏

‏فإذا کان الأمر کذلک، فمن المحتمل أنّ الشرع کان فی هذا الموقف، فاعتبر‏‎ ‎‏الاستعمال المعلّق، وإن کان بحسب الواقع لیس تعلیقاً فی الإرادة والطلب، ولا فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 72
‏مفاد الهیئة، وهذا الاعتبار لإفادة ذلک.‏

‏فلاینبغی الخلط بین مقامی الثبوت والإثبات، وبین موقفین: موقف إفادة تمام‏‎ ‎‏مرامه علیٰ ما فی طلبه ونفسه، وموقف تسهیله علی العباد؛ وعدم إیقاعهم فی‏‎ ‎‏المضیقة والمشقّة. فعلیٰ هذا لایجب التبعیّة لمرحلة الثبوت بعد هذا الاحتمال فی‏‎ ‎‏مرحلة الإثبات.‏

فتحصّل :‏ أنّ الوجوب المشروط ثبوتاً غیر معقول، والوجوب المشروط إثباتاً‏‎ ‎‏یرجع إلیٰ مشروطیّة الاستعمال، وإلی التعلیق فی کون الهیئة مفیدة ومستعملة فیما‏‎ ‎‏هو الموضوع له، وأنّ اللاّزم هو الاتباع لمقام الثبوت؛ مادام لم یعلم أنّ المولیٰ فی‏‎ ‎‏مقام إفادة الأمر الآخر إثباتاً، وفی مقام التسهیل عملاً ، کما نحن فیه؛ فإنّه بالنظر إلیٰ‏‎ ‎‏مرحلة الثبوت واللبّ، لابدّ من المحافظة علی المقدّمات المفوّتة، وبالنظر إلیٰ مقام‏‎ ‎‏الإثبات والتعلیق، لایجب التحفّظ علیها حسب الصناعة العلمیّة؛ لأنّه فی مقام إفادة‏‎ ‎‏عدم فعلیّة الحکم، وعدم فعلیّة روح الحکم وهو الإرادة، وإن کان روح الحکم فعلیّةً.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ فی مقام إفادة جواز ترتیب آثار الوجوب المشروط قبل‏‎ ‎‏تحقّق شرطه، وإن کان طلبه النفسانیّ فعلیّاً وداعیاً ومقتضیاً، فلیتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 73

  • )) آل عمران (3) : 97 .
  • )) الحجرات (49) : 6 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 100 / السطر 4، هدایة المسترشدین: 192 / السطر 21، الفصول الغرویّة: 79 / السطر 21، لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 329 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 56 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 64 .
  • )) یأتی فی الصفحة 78 .