الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

الجهة الخامسة فی صیرورة الواجب المشروط مطلقاً بتحقّق شرطه

الجهة الخامسة فی صیرورة الواجب المشروط مطلقاً بتحقّق شرطه

‏ ‏

‏هل الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه، ینقلب إلی الواجب المطلق، أم هو‏‎ ‎‏باقٍ علیٰ مشروطیّته؟‏

‏ومبنیٰ هذه المسألة: هو أنّ الشرط الظاهر فی أنّه واسطة فی ثبوت الحکم‏‎ ‎‏للموضوع حدوثاً، یورث دخالته بقاء، ویکون الحکم دائراً مدار الشرط فی الحدوث‏‎ ‎‏والبقاء، حتّیٰ لایمکن أن یکون حافظاً لبقاء الشرط، وموجباً للتحفّظ علیه علی‏‎ ‎‏المکلّف، أم لا؟‏

أو إن شئت قلت :‏ مبنیٰ هذه المسألة؛ هو أنّ الشرط فی القضیّة الشرطیّة، هل‏‎ ‎‏یرجع إلیٰ عنوان الموضوع، فیکون مع بقاء الموضوع فعلیّاً، ولکن یجوز إعدام‏‎ ‎‏الموضوع؛ لعدم إمکان تعلّق الحکم بنحو یورث حفظ الموضوع ، أم لا؟‏

مثلاً :‏ إذا ورد جملة «إن سافرت فقصّر» فإن قلنا: بأنّ السفر علّة حدوث‏‎ ‎‏القصر فقط، فعلیه التقصیر وإن انعدم السفر؛ لأنّه واسطة ثبوت الحکم للمکلّف،‏‎ ‎‏وعلیه یترتّب حکم من قال: بأنّ المناط فی القصر والإتمام أوّل الوقت‏‎[1]‎‏، وتفصیله‏‎ ‎‏فی الفقه، وعلیٰ هذا یصیر الواجب المشروط واجباً مطلقاً.‏

وإن قلنا :‏ بأنّ السفر علّة الحکم حدوثاً وبقاءً، فیرتفع بانعدام السفر، ولا معنیٰ‏‎ ‎‏لکون الحکم حافظاً لعلّته؛ للزوم کون المعلول علّةَ علتِه، وهذا واضح البطلان.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 91
‏وهکذا إذا قلنا: بأنّ جملة الشرط تصیر عنواناً للموضوع، فیکون القضیّة بتّیة‏‎ ‎‏وهی: «أنّ المکلّف المسافر یقصّر» وعند ذلک أیضاً فالقضیّة وإن کانت بتّیة، ولکنّها‏‎ ‎‏فی حکم الشرطیّة؛ لبقاء الوجوب المشروط علیٰ مشروطیّته، ولایصیر مطلقاً.‏

إن قلت :‏ الحیثیّات التعلیلیّة ترجع إلی الحیثیّات التقییدیّة، فتکون النتیجة بقاء‏‎ ‎‏الوجوب المشروط بحاله.‏

قلت :‏ ما هو المشهور فی محلّه هو رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی التقییدیّة فی‏‎ ‎‏الأحکام العقلیّة‏‎[2]‎‏، لا الأحکام الاعتباریّة والتشریعیّة.‏

مثلاً :‏ إذا قلنا: «بأنّ الغصب قبیح؛ لأنّه ظلم» یرجع هذا التعلیل إلیٰ أنّ ماهو‏‎ ‎‏القبیح بالذات هو الظلم، والغصب المقیّد بالظلم قبیح بما أنّه ظلم، بخلاف ما إذا قلنا:‏‎ ‎‏«بأنّ الغصب حرام، والخمر حرام؛ لأنّه ظلم» أو «لأنّه مسکر» فإنّ هذا التعلیل باقٍ‏‎ ‎‏فی الاعتبار علیٰ علّیته، فیکون ماهو الموضوع للحکم بالحرمة عنوان «الغصب»‏‎ ‎‏و«الخمر» لا عنوان «الظلم» و«المسکر» ولا عنوانهما المقیّد بهما، حتّیٰ یکون قید‏‎ ‎‏الموضوع.‏

‏إذا علمت ذلک، فالذی لاینبغی الارتیاب فیه: هو ظهور القضیّة الشرطیّة فی‏‎ ‎‏أنّ الشرط دخیل فی الحدوث، ویکون واسطة فی الثبوت، من غیر وساطة‏‎ ‎‏الموضوع فی ذلک. ولو کان یرجع إلیٰ عنوان الموضوع، فلایبقیٰ ذلک الظهور بحاله؛‏‎ ‎‏لاحتمال مدخلیّة الموضوع المرکّب فی الحکم.‏

‏فإذا قال المولیٰ: «أکرم زیداً العالم» فیحتمل دخالة زید فی الحکم إجمالاً،‏‎ ‎‏ویکون الاحتمال قریباً عرفاً، بخلاف ما إذا علّقه علی العلم، فإنّه أقویٰ فی دخالته‏‎ ‎‏فی الحکم وعلّیته له، ولذلک اشتهر أقوائیّة ظهور القضیّة الشرطیّة فی المفهوم من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 92
‏القضیّة المقیّدة.‏

‏ثمّ إنّه لو أمکن إرجاع القید والشرط إلی الموضوع، یلزم جواز إعدامه کما‏‎ ‎‏عرفت، وهذا ممّا لایمکن الالتزام به فی مثل قوله تعالیٰ: ‏‏«‏وَلله ِ عَلَی النّٰاسِ حِجُّ‎ ‎الْبَیْتِ‏»‏‎[3]‎‏ لعدم جواز إعدام موضوعه بعد تحقّقه.‏

‏ولو کان هذا مثل ذلک، فیکون تبدیل العنوان جائزاً، فإذا قال: «المستطیع‏‎ ‎‏یحجّ، وغیر المستطیع لایحجّ» فهو کقوله: «المسافر یقصر، والحاضر لایقصر» مع‏‎ ‎‏أنّه لایجوز بعد فعلیّة الموضوع ـ فی مثل الحجّ ـ إعدامه، ولیس ذلک إلاّ لأجل أنّ‏‎ ‎‏الاستطاعة لیست قید الموضوع. ولاینبغی توهّم الفرق بین المثالین؛ ضرورة أنّه بعد‏‎ ‎‏دخول الوقت، وتنجّز الحکم علیه، یجوز تبدیل العنوان.‏

‏ثمّ إنّ القضیّة الشرطیّة، لیست إلاّ ظاهرة فی دخالة الشرط فی الجملة،‏‎ ‎‏فانتفاء الحکم فی جملة الجزاء بانتفاء الشرط ممنوع، کما تقرّر فی مباحث‏‎ ‎‏المفاهیم‏‎[4]‎‏، ولذلک یجب الحجّ متسکّعاً، وتفصیل البحث من هذه الجهة، یطلب من‏‎ ‎‏المباحث الآتیة فی المفاهیم، وینقلب الوجوب المشروط إلی الوجوب المطلق بعد‏‎ ‎‏تحقّق الشرط.‏

وإن شئت قلت :‏ الواجبات المشروطة مشروطة دائماً، إلاّ أنّها تصیر منجّزة‏‎ ‎‏بعد تحقّق الشرط، وتکون منجّزة دائمیّاً، إلاّ إذا قامت القرینة علی أنّ الشرط واسطة‏‎ ‎‏فی العروض، فتدبّر.‏

‏ولو شکّ فی ذلک، فقضیّة الاستصحاب هو بقاء الحکم الثابت قبل زوال‏‎ ‎‏الشرط، کما لایخفیٰ.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 93

  • )) لاحظ مستمسک العروة الوثقیٰ 8 : 176 ، لاحظ مستند العروة الوثقیٰ، الصلاة 8 : 391.
  • )) لاحظ نهایة الدرایة 2 : 131 ، مناهج الوصول 1 : 390 ـ 391 .
  • )) آل عمران (3) : 97 .
  • )) یأتی فی الجزء الخامس : 27 وما بعدها .