الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

الثانیة : حول انفکاک الإرادة الأزلیة عن المراد

الثانیة : حول انفکاک الإرادة الأزلیة عن المراد

‏ ‏

‏قضیّة ما تقرّر فی الکتب العقلیّة: هو أنّ الله تبارک وتعالیٰ نافذة قدرته‏‎ ‎‏وإرادته، ولا شیء خارج عن حکومته‏‎[1]‎‏. وهذا هو الظاهر من الکتاب حینما یقول:‏‎ ‎‏«‏وَالله ُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏»‏‎[2]‎‏ ویقول: ‏‏«‏خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ‏»‏‎[3]‎‏ ومن الأشیاء أفعال‏‎ ‎‏العباد، وکان ما یعملون ویعبدون هی الصورة التی کانت تصنعها أیدیهم من الخشب،‏‎ ‎‏لا مادّة الخشب، فاغتنم وافهم.‏

‏وأیضاً تقرّر فی محلّه: أنّه تعالیٰ منزّه عن الحوادث، ولایوصف بها، بل‏‎ ‎‏الحوادث کلّها خلائق الله تعالیٰ‏‎[4]‎‏.‏

‏فإذن تحدث مشکلة ومعضلة قویّة: وهی أنّه کیف یمکن استناد المخلوق‏‎ ‎‏الزمانیّ فیما لایزال، إلی الموجود الأزلیّ المنزّه من حوادث الصفات، ومنها:‏‎ ‎‏الإرادة؟! لأنّ الحوادث الزمانیّة المستندة إلیه تعالیٰ؛ إمّا تستلزم حدوث الإرادة، أو‏‎ ‎‏تکون الحوادث قدیمة زماناً، والکلّ ممنوع عقلاً ووجداناً.‏

‏وماهو الحجر الأساسی حلاًّ لمثل هذه الشبهة: هو أنّ الإرادة علّیتها تابعة‏‎ ‎‏لکیفیّة تعلّقها، فإذا تعلّقت الإرادة بوجود زید فعلاً، فلابدّ أن یتحقّق المراد؛ وهو‏‎ ‎‏زید، وإذا تعلّقت الإرادة بوجود زید غداً، فلابدّ أن یتحقّق المراد فیالقطع، فلو تحقّق‏‎ ‎‏المراد فی الحال، فقد تخلّف المراد عن الإرادة؛ لأنّها تعلّقت بتلک الکیفیّة، لا بهذه‏‎ ‎‏الکیفیّة. فهو تعالیٰ الغنیّ بالذات، یرید فی الأزل خلق زید مثلاً أو فعل المکلّف مثلاً‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 114
‏فیما لایزال، فتکون الإرادة أزلیّة، والمراد حادثاً فی الزمان المتأخّر؛ وفی عصر کذا.‏

‏وأمّا کیفیّة تصویر هذه الإرادة ، وکیفیّة المراد بالذات وبالعرض فی حقّه‏‎ ‎‏تعالیٰ، فهی موکولة إلیٰ أرباب الفنّ، ولقد تعرّضنا فی «القواعد الحکمیّة»‏‎[5]‎‎ ‎‏لقصاریٰ هذه المسائل، ومن شاء فلیرجع إلیٰ ما هناک، وإنّه من مزالّ الأقدام،‏‎ ‎‏لایجوز للعالم الاُصولیّ سلوک هذه المسالک الخطیرة؛ لوقوعه فیما لاینبغی، ولایعدّ‏‎ ‎‏معذوراً؛ لجهله بجهله.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 115

  • )) الشواهد الربوبیّة : 137 ـ 138 .
  • )) الصافّات (37) : 96 .
  • )) الأنعام (6) : 102، الرعد (13): 16، الزمر (39): 62، غافر (40): 62 .
  • )) الحکمة المتعالیة 6 : 93 .
  • )) القواعد الحکمیّة، للمؤلّف  قدس سره (مفقودة).