عدم کون معرفته تعالیٰ واجباً نفسیّاً
ثمّ إنّ الأصحاب رحمهم الله بمجرّد توهّم : أنّ ماهو المطلوب الذاتیّ للإنسان بما هو إنسان، هی معرفة الله تبارک وتعالیٰ، وقعوا فی اشتباه آخر؛ وهو توهّم: أنّ الواجب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 132
النفسیّ هی معرفة الله ، مع أنّ معرفة الله لیست المقصود الأصلیّ فی الواجبات النفسانیّة؛ ضرورة أنّ معرفة الله ، یمکن أن تکون المقصود الأصلیّ للإرادة الفاعلیّة، ولکن لایمکن أن تکون الغایة للإرادة الآمریّة والإلهیّة.
بل غایة فعله تعالیٰ لیست إلاّ متّحدة مع مبدأ الفعل؛ لما تقرّر فی محلّه: من أنّ العالی لایتصنّع للدانی، وأنّ المستعلی بالذات غنیّ عن التوصّل إلی الغیر، ولذلک قیل: «إنّ حبّه بذاته غایة فعله» فإنّ حبّه بذاته یستلزم الحبّ بصفاته، والحبَّ بالصفات یستلزم الحبّ بلوازم الصفات المستتبعة للأعیان الثابتة العلمیّة، ثمّ لتلک الأعیان فی النشأة العینیّة. فهل تریٰ من نفسک کون الواجب النفسیّ فی الإرادة التشریعیّة مثل ذلک؟!
فلایجوز أن یتدخّل الإنسان فیما هو خارج عن اُفق تعلّقه وتدبّره، ولاینبغی الخلط بین ماهو المقسم فی الواجبات النفسیّة والغیریّة التی تکون معروفة عند العوامّ والخواصّ، وبین ماهو الخارج عن محیط أفکار الناس وأخصّ الخواصّ.
ومجرّد ما قیل: «من أنّ الواجبات الشرعیّة، ألطاف فی الواجبات العقلیّة» لایستلزم نقض خیط العلوم الاعتباریّة، فإنّ معنیٰ هذه الجملة، لاینافی الواجبات النفسیّة والغیریّة والمحرّمات الشرعیّة بالضرورة؛ لأنّ ملحظ العقل هو ذاک، وملحظ الشرع والقانون هذا الأمر الاعتباریّ؛ وهو الوجوب المنتزع عن الإرادة البارزة، أو هو نفس الإرادة، علیٰ ما یفهمه العقلاء من الإرادة فی جعل القوانین العرفیّة؛ علیٰ وجه لایکون خارجاً عن اُفق التحقیق حسب ما قرّر فی الکتب العقلیّة، فلیتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 133