الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

الجهة الرابعة: فی أنّ الثواب والعقاب بالاستحقاق أم بشیء آخر

الجهة الرابعة: فی أنّ الثواب والعقاب بالاستحقاق أم بشیء آخر

‏ ‏

‏هل العقاب والثواب بالاستحقاق، أو کلاهما بالتفضّل الإلهیّ، أم العقاب‏‎ ‎‏بالاستحقاق، دون الثواب، أو لا بالتفضّل، ولا بالاستحقاق، أو یکون العقاب من‏‎ ‎‏التفضّل، والثواب بالاستحقاق؟ وجوه واحتمالات وأقوال .‏

‏لایصحّ لنا ولایجوز لباحث العلوم الاعتباریّة، التدخّل فی هذه العلوم الغریبة‏‎ ‎‏عن أذهان العالمین منهم، فضلاً عن المحصّلین، ولنا فی هذه المباحث مکتوبات‏‎ ‎‏اُخر، من شاء فلیراجع ما هناک‏‎[1]‎‏. ونشیر إشارة إجمالیّة من غیر النظر التصدیقیّ إلیٰ‏‎ ‎‏ماهو الحقّ، ولکن نشیر إلیٰ بعض ما قیل من المذاهب الفاسدة:‏

‏فالأشعریّ یقول: بأنّ الله تبارک وتعالیٰ یصنع فی ملکه ما یشاء، فیعذّب مَن‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 163
‏یشاء ویعطی من یشاء بیده الملک ولیس لأحد أن یتدخّل فی سلطانه، ویتجاوز فی‏‎ ‎‏حکومته، فالعقاب والثواب لیسا بالاستحقاق؛ لأنّ العباد مجبورون فی أفعالهم، وإذا‏‎ ‎‏کانوا کذلک فلایستحقّون العقاب، ولکن یجوز له تعالیٰ ذلک‏‎[2]‎‏.‏

‏ولایحتاج سوء مقالته ومبناه إلیٰ تجشّم الاستدلال.‏

‏والمعروف عن المذهب : أنّ الثواب والعقاب بالاستحقاق‏‎[3]‎‏.‏

‏ونسب إلی المفید وجماعة : أنّ الثواب بالتفضّل، والعقاب بالاستحقاق‏‎[4]‎‏.‏

‏والذی ظهر لک ممّا قد مضیٰ: أنّ العقاب والثواب علی المسلک الأوّل لیسا‏‎ ‎‏بالتفضّل، ولا بالاستحقاق. وعلی المسلک الثانی فالعقاب بالاستحقاق، والثواب وإن‏‎ ‎‏لم یکن بالاستحقاق، ولکنّه یجب علیه تعالی الوفاء بالوعد؛ فإنّ التخلّف إمّا کذب،‏‎ ‎‏أو قبیح إن کان إنشاءً‏‎[5]‎‏.‏

ویمکن دعویٰ :‏ أنّه بالاستحقاق؛ لأنّ ما قیل: «من أنّ الإنسان بجمیع قواه‏‎ ‎‏الملکیّة والملکوتیّة وجمیع معدّات فعله، مملوکه تعالیٰ»‏‎[6]‎‏ خروج عن الطرق‏‎ ‎‏العقلائیّة المتّبعة فی هذه المباحث، فکما أنّ العقاب بالاستحقاق وإلاّ فیمکن تقریب‏‎ ‎‏ذلک بوجه لایستتبع الخیر، ولا استحقاق العقاب، کذلک الثواب بالاستحقاق. وهذه‏‎ ‎‏الدعویٰ قریبة جدّاً.‏

‏وأمّا علی المسلک الثالث، فهو أیضاً لایخلو من أحد مسلکین؛ من حیث إنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 164
‏العقاب والثواب من التوابع القهریّة، أو من قبیل الجعالة، ولکنّه ثالث المسالک فی‏‎ ‎‏الموضوع الذی یستتبع ذلک العقاب والثواب.‏

مثلاً :‏ علی المسلک الأوّل إتیان الصلاة عبادة ، یستتبع قهراً صورة ملذّة،‏‎ ‎‏وعلی الثانی یورث استحقاقها، أو بالتفصیل ، والثالث یقول: بأنّ تلک الصورة ـ سواء‏‎ ‎‏کانت بالاستتباع أو بالتفضّل والاستحقاق ـ لاتحصل إلاّ إذا انطبق علی المأتیّ به‏‎ ‎‏عنوان «الإطاعة والامتثال» المتقوّم بالأمر، فلایعدّ هذا مقابل المسلک الأوّل والثانی‏‎ ‎‏فی کیفیّة العقاب، فما یظهر من تقریرات الوالد ـ مدّظلّه لایخلو من غرابة‏‎[7]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا، إن کان یقول بعد تحقّق الطاعة مثلاً بالاستتباع، فلا استحقاق،‏‎ ‎‏ولاتفضّل، وإن کان یقول بالثانی، فیستحقّ العقاب، بل والثواب علی التقریب‏‎ ‎‏المشار إلیه.‏

إن قلت :‏ بناء العقلاء فی الممالیک عدم الاستحقاق. نعم فی الاُجراء یثبت‏‎ ‎‏استحقاق اُجرة المثل.‏

قلت :‏ لا نسلّم ذلک فیما إذا جعل المولی علی العبید جعالة حذاء أفعالهم‏‎ ‎‏وأشغالهم، مثلاً لو قال المولیٰ لعبده : «اصنع کذلک فلک علیّ کذا» فإنّه یستحقّ عند‏‎ ‎‏القوم علیه جعله بالضرورة.‏

‏ولا اُرید أن أقول : إنّ العبد یستحقّ علی الربّ شیئاً، حتّیٰ یعدّ من التجاسر،‏‎ ‎‏نعوذ بالله تعالیٰ من ذلک، بل المقصود إثبات استحقاق العبد بالنسبة إلی الجعل‏‎ ‎‏والاُجرة المجعولة؛ وأنّه یثبت له حقّ علیٰ ذلک المجعول، فلاتخلط.‏

‏ثمّ إنّه غیر خفیّ : أنّ مع عدم ثبوت الاستحقاق، یکون الامتثال والإطاعة‏‎ ‎‏والإتیان بالأعمال الحسنة، مرجّحاً لتوجیه التفضّلات الإلهیّة بالنسبة إلیه، وإلاّ فلو‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 165
‏کان هذا العبد العاصی متساوی النسبة بالنسبة إلیها، فهو من الغلط، ولایقول به مثل‏‎ ‎‏المفید، فنفی الاستحقاق لیس معناه استواء النسبة، فافهم وتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 166

  • )) القواعد الحکمیّة، للمؤلّف  قدس سره (مفقودة).
  • )) لاحظ کشف المراد : 307 .
  • )) کشف المراد: 407 ـ 409، کفایة الاُصول : 138 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 224، نهایة الاُصول: 185 ـ 186، محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 395 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 152 ـ 159 .
  • )) نهایة الاُصول : 185، مناهج الوصول 1 : 378، تهذیب الاُصول 1 : 249 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 249 .