الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

الأمر الثامن : حول اشتراط وجوب المقدّمة بإرادة إتیان ذیها

الأمر الثامن : حول اشتراط وجوب المقدّمة بإرادة إتیان ذیها

‏ ‏

‏قد عرفت فی مطاوی بحوثنا السابقة: أنّ وجوب المقدّمة، تابع لوجوب ذیها‏‎ ‎‏فی الإطلاق والاشتراط‏‎[1]‎‏، فمن قال بالملازمة بین الوجوبین، أو الإرادتین، اعتبر‏‎ ‎‏ذلک، فلایوجد من یقول بعدم التبعیّة بینهما:‏

‏أمّا فیما إذا کان ذو المقدّمة مشروطاً، فمشروطیّة المقدّمة ممّا لاتکاد تنکر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 181
‏وأمّا إذا کان ذو المقدّمة مطلقاً، فقد نسب إلیٰ «المعالم» اشتراط وجوبها‏‎ ‎‏بإرادة الفاعل إتیان ذی المقدّمة‏‎[2]‎‏.‏

ویتوجّه إلیه :‏ أنّ هذا غیر لائق به؛ لأنّ إرادة المقدّمة ظلّ الإرادة الأصلیّة،‏‎ ‎‏فإذا کانت هی موجودة، فلابدّ أن تترشّح تلک الإرادة من إرادة ذی المقدّمة إلی‏‎ ‎‏المقدّمة قهراً وطبعاً، ولا معنیٰ لمشروطیته بإرادة الفاعل؛ لأنّ مناط الترشّح وملاک‏‎ ‎‏الوجوب، هو التوقّف، وهذا لایتوقّف علیٰ إرادته ذا المقدّمة.‏

أقول :‏ قد عرفت فیما مضیٰ فی مسألة المقدّمات المفوّتة: أنّ الملازمة بین‏‎ ‎‏ذی المقدّمة والمقدّمة وإن کانت تستلزم الإرادة الغیریّة والمقدّمیة، ولکن لا منع‏‎ ‎‏عقلاً من إیجاد الآمر إرادة مقدّمیة قبل تحقّق شرط وجوب ذی المقدّمة، فإذا کان‏‎ ‎‏یریٰ أنّ الصلاة مشروطة بالوقت والطهور، والمکلّفَ قبل الوقت لاینبعث نحو‏‎ ‎‏الطهور، وتفوت مصلحة الصلاة فی الوقت، فیرید الطهور بإرادة مستقلّة غیریّة ناشئة‏‎ ‎‏عن الملاک، لا الإرادة الفعلیّة، فیمکن أن توجد الإرادة الفعلیّة المقدّمیة؛ قبل تحقّق‏‎ ‎‏شرط ذی المقدّمة‏‎[3]‎‏.‏

‏نعم، لاتکون هی مترشّحة وظلاًّ لتلک الإرادة، کما لایعقل ذلک مطلقاً،‏‎ ‎‏وسیظهر وجهه تفصیلاً، وقد تقدّم إجماله‏‎[4]‎‏.‏

‏وأمّا ما أفاده «المعالم» فإن کان یثبت الملازمة العقلیّة بین ذی المقدّمة‏‎ ‎‏وإرادته بمناط التوقّف، فلایرجع کلامه إلیٰ معنی معقول؛ لما اُشیر إلیه.‏

‏وإن کان یریٰ أنّ التوقّف، یکون فی حال إرادة ذی المقدّمة، فهو أیضاً‏‎ ‎‏واضح المنع.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 182
‏وإن کان یریٰ أنّ العقل، لایتمکّن من درک التلازم إلاّ بحسب الضرورة؛ وأنّه‏‎ ‎‏لا معنیٰ لإیجابها قبل إرادة ذیها؛ لأنّه لغو، فیتوجّه إلیه: أنّه بعد الإرادة أیضاً لغو؛ لأنّه‏‎ ‎‏إذا کان یرید الفعل، فتحصل فی نفسه إرادة مقدّمته طبعاً وقهراً.‏

‏نعم، یمکن أن یقال: بأنّ الأمر الغیریّ، حسابه غیر حساب الأمر النفسیّ، فإنّ‏‎ ‎‏النفسیّ من قبل المولیٰ یتعلّق بالصّلاة، ویدعو إلیها، ولا معنی لتضیّقه وجوداً؛ أی أنّ‏‎ ‎‏هذا الأمر موجود وباعث، سواء حصل الانبعاث ، أم لا، بخلاف الأمر الغیریّ فإنّه‏‎ ‎‏بحکم العقل، فلایکون وجوده أوسع ممّا یدرکه العقل، والذی هو الثابت عند ذلک،‏‎ ‎‏هو الأمر الغیریّ الباعث المنتهی إلی انبعاث العبد، لا الأعمّ، فیحصل فرق بینهما فی‏‎ ‎‏الوجود سعةً وضیقاً.‏

‏بل الإرادة الغیریّة، لاتترشّح إلاّ فی مورد یعلم المرید انبعاث العبد إلی‏‎ ‎‏المقدّمة المطلقة، أو الموصلة.‏

‏فعلیٰ هذا، لایکون قول «المعالم» فی عَرْض الأقوال الاُخر فی هذه المسألة،‏‎ ‎‏بل هو قول آخر فی مسألة اُخریٰ نبّهنا علیها، وقد غفل عنه الأعلام طرّاً. وهذا‏‎ ‎‏الاحتمال الأخیر، هو الظاهر من عبارة «المعالم» فراجع.‏

فبالجملة :‏ یمکن دعویٰ أنّ «المعالم» أخذ مقالته من الکتاب العزیز؛ وهو‏‎ ‎‏قوله تعالیٰ: ‏‏«‏إذَا قُمْتُمْ إلَی الصَّلٰوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ‏»‏‎[5]‎‏ فإنّ الظاهر منه أنّ‏‎ ‎‏وجوب الغسل، مشروط بإرادة إقامة الصلاة، ولا یستلزم مشروطیّةُ المقدّمة‏‎ ‎‏مشروطیّةَ ذی المقدّمة؛ إذا کان الشرط إرادة الصلاة، وکان هذا واجباً تحصیله‏‎ ‎‏بحسب العقل.‏

‏فما تریٰ فی کتب القوم إشکالاً علیه: «من أنّ الإرادة الغیریّة مترشّحة من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 183
‏إرادة ذی المقدّمة، فلایعقل وجود العلّة بدون المعلول»‏‎[6]‎‏ وأیضاً إشکالاً آخر علیه:‏‎ ‎‏«من أنّ مشروطیّة المقدّمة تستلزم مشروطیّة ذی المقدّمة»‏‎[7]‎‏ خالٍ من التحصیل ؛‏‎ ‎‏لأنّه یرید إثبات أنّ الملازمة، لاتکون إلاّ فی هذا الموقف، فلاتخلط.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 184

  • )) تقدّم فی الصفحة 108 .
  • )) معالم الدین : 74 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 86 ـ 87 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) المائدة (5) : 6 .
  • )) نهایة الاُصول : 191 .
  • )) منتهی الاُصول 1 : 293 .