الأمر الثامن : حول اشتراط وجوب المقدّمة بإرادة إتیان ذیها
قد عرفت فی مطاوی بحوثنا السابقة: أنّ وجوب المقدّمة، تابع لوجوب ذیها فی الإطلاق والاشتراط، فمن قال بالملازمة بین الوجوبین، أو الإرادتین، اعتبر ذلک، فلایوجد من یقول بعدم التبعیّة بینهما:
أمّا فیما إذا کان ذو المقدّمة مشروطاً، فمشروطیّة المقدّمة ممّا لاتکاد تنکر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 181
وأمّا إذا کان ذو المقدّمة مطلقاً، فقد نسب إلیٰ «المعالم» اشتراط وجوبها بإرادة الفاعل إتیان ذی المقدّمة.
ویتوجّه إلیه : أنّ هذا غیر لائق به؛ لأنّ إرادة المقدّمة ظلّ الإرادة الأصلیّة، فإذا کانت هی موجودة، فلابدّ أن تترشّح تلک الإرادة من إرادة ذی المقدّمة إلی المقدّمة قهراً وطبعاً، ولا معنیٰ لمشروطیته بإرادة الفاعل؛ لأنّ مناط الترشّح وملاک الوجوب، هو التوقّف، وهذا لایتوقّف علیٰ إرادته ذا المقدّمة.
أقول : قد عرفت فیما مضیٰ فی مسألة المقدّمات المفوّتة: أنّ الملازمة بین ذی المقدّمة والمقدّمة وإن کانت تستلزم الإرادة الغیریّة والمقدّمیة، ولکن لا منع عقلاً من إیجاد الآمر إرادة مقدّمیة قبل تحقّق شرط وجوب ذی المقدّمة، فإذا کان یریٰ أنّ الصلاة مشروطة بالوقت والطهور، والمکلّفَ قبل الوقت لاینبعث نحو الطهور، وتفوت مصلحة الصلاة فی الوقت، فیرید الطهور بإرادة مستقلّة غیریّة ناشئة عن الملاک، لا الإرادة الفعلیّة، فیمکن أن توجد الإرادة الفعلیّة المقدّمیة؛ قبل تحقّق شرط ذی المقدّمة.
نعم، لاتکون هی مترشّحة وظلاًّ لتلک الإرادة، کما لایعقل ذلک مطلقاً، وسیظهر وجهه تفصیلاً، وقد تقدّم إجماله.
وأمّا ما أفاده «المعالم» فإن کان یثبت الملازمة العقلیّة بین ذی المقدّمة وإرادته بمناط التوقّف، فلایرجع کلامه إلیٰ معنی معقول؛ لما اُشیر إلیه.
وإن کان یریٰ أنّ التوقّف، یکون فی حال إرادة ذی المقدّمة، فهو أیضاً واضح المنع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 182
وإن کان یریٰ أنّ العقل، لایتمکّن من درک التلازم إلاّ بحسب الضرورة؛ وأنّه لا معنیٰ لإیجابها قبل إرادة ذیها؛ لأنّه لغو، فیتوجّه إلیه: أنّه بعد الإرادة أیضاً لغو؛ لأنّه إذا کان یرید الفعل، فتحصل فی نفسه إرادة مقدّمته طبعاً وقهراً.
نعم، یمکن أن یقال: بأنّ الأمر الغیریّ، حسابه غیر حساب الأمر النفسیّ، فإنّ النفسیّ من قبل المولیٰ یتعلّق بالصّلاة، ویدعو إلیها، ولا معنی لتضیّقه وجوداً؛ أی أنّ هذا الأمر موجود وباعث، سواء حصل الانبعاث ، أم لا، بخلاف الأمر الغیریّ فإنّه بحکم العقل، فلایکون وجوده أوسع ممّا یدرکه العقل، والذی هو الثابت عند ذلک، هو الأمر الغیریّ الباعث المنتهی إلی انبعاث العبد، لا الأعمّ، فیحصل فرق بینهما فی الوجود سعةً وضیقاً.
بل الإرادة الغیریّة، لاتترشّح إلاّ فی مورد یعلم المرید انبعاث العبد إلی المقدّمة المطلقة، أو الموصلة.
فعلیٰ هذا، لایکون قول «المعالم» فی عَرْض الأقوال الاُخر فی هذه المسألة، بل هو قول آخر فی مسألة اُخریٰ نبّهنا علیها، وقد غفل عنه الأعلام طرّاً. وهذا الاحتمال الأخیر، هو الظاهر من عبارة «المعالم» فراجع.
فبالجملة : یمکن دعویٰ أنّ «المعالم» أخذ مقالته من الکتاب العزیز؛ وهو قوله تعالیٰ: «إذَا قُمْتُمْ إلَی الصَّلٰوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ» فإنّ الظاهر منه أنّ وجوب الغسل، مشروط بإرادة إقامة الصلاة، ولا یستلزم مشروطیّةُ المقدّمة مشروطیّةَ ذی المقدّمة؛ إذا کان الشرط إرادة الصلاة، وکان هذا واجباً تحصیله بحسب العقل.
فما تریٰ فی کتب القوم إشکالاً علیه: «من أنّ الإرادة الغیریّة مترشّحة من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 183
إرادة ذی المقدّمة، فلایعقل وجود العلّة بدون المعلول» وأیضاً إشکالاً آخر علیه: «من أنّ مشروطیّة المقدّمة تستلزم مشروطیّة ذی المقدّمة» خالٍ من التحصیل ؛ لأنّه یرید إثبات أنّ الملازمة، لاتکون إلاّ فی هذا الموقف، فلاتخلط.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 184