المسلک الرابع : ما نسب إلیٰ «الفصول»
وظاهره أنّه بعدما رأیٰ أنّ أخاه صاحب «الحاشیة» اعتبر فی معروض الوجوب حال الإیصال، علیٰ ماهو المحکیّ عنه، التفت إلیٰ أن یقول: بأنّ المعروض هی الموصلة.
وربّما یستظهر أنّهما فی مقام واحد؛ لعدم ذکره فی المحکیّ عنه هذا الفرض، وهو الوجوب حال الإیصال، فکأنّهما یقولان بشیء واحد: وهو أنّ الواجب هی المقدّمة إذا کان یترتّب علیها فعل الغیر، فجعل معروض الوجوب الحصّة من المقدّمة المنتهیة إلیٰ ذی المقدّمة، لا عنوان «الموصل» فراجع، والأمر سهل.
ثمّ لو کان المقصود کون معروض الوجوب هو عنوان «الموصل» فلیس هذا من العناوین القصدیّة عنده، حتّیٰ یعتبر فی اتصافها بالوجوب قصد الموصلیّة والإیصال، کما یظهر من تقریرات السیّد البروجردی قدس سره بل کلامه کالنصّ فی أنّ معروض الوجوب عنده، لیس قصدیّاً؛ لما أنّ معنی الموصلیّة أمر یحصل فی الخارج عند ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة؛ سواء قصد ذلک، أم لم یقصد.
فبالجملة : الضرورة قاضیة بأنّها لیست من العناوین القصدیّة.
إن قلت : فما الفرق بین مقالة «الفصول» ومقالة من یقول: بأنّ الواجب هو السبب؛ والمقدّمة المتسبَّب بها إلیٰ ذی المقدّمة، کما یأتی عند ذکر الأقوال فی وجوب المقدّمة؟!
قلت : هذا ما أورده علیه سیّدنا البروجردیّ رحمه الله ظانّاً عدم الفرق. وأنت
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 203
خبیر بأنّ معروض الوجوب علیٰ مقالته، قابل للتصدیق؛ من ناحیة أنّ الملاک ومناط الوجوب هو التوصّل، وفی الأحکام العقلیّة لابدّ من إرجاع الحیثیّات التعلیلیّة إلی التقییدیّة، کما عرفت، فیکون الخارج والسبب والمقدّمة الموصلة ـ بالحمل الشائع ـ معروض الموصل الذی هو معروض الوجوب.
وأمّا کونها بذاتها معروض الوجوب، فیتوجّه إلیه ما مرّ فی سائر المسالک، فلاتخلط جدّاً.
إن قلت : الإرجاع المزبور یصحّ فی تلک الأحکام، لا فی الأحکام الشرعیّة المستکشفة بالعقل.
قلت : نعم، إلاّ أنّ العقل یحلّل ویجزئ الملاکات، ویصل فی هذه المسألة إلیٰ أنّ ماهو مناط الوجوب، هو الموصلیّة والتوصّل، فإن کان من الشرع دلیل لفظیّ علیٰ وجوب ذات المقدّمة لعلّة خارجیّة، کان ذلک مسموعاً.
وإلاّ فلا شأن للعقل فی أن یدرک أنّ المشروع ومعروض الوجوب، هی الذات المقارنة للملاک، أو الذات لأجل المناط؛ وهو الإیصال، بل العقل لایدرک أزید من أنّ معروض الإرادة الثانیة الترشّحیة، لیس إلاّ ماهو محبوبه ومطلوبه؛ وهو الموصل إلیٰ مرامه ومطلوبه الأصلیّ، دون أمر آخر.
وقد وقع هذا الخلط بین کلمات جمع من أفاضل البحث، کما وقع السهو الکثیر فی حدود المسألة، ویظهر ممّا حرّرناه، فلانشیر إلیه؛ حذراً من الإطالة.
إن قلت : مایمکن أن یکون ملاکاً للوجوب فی جمیع المقدّمات الداخلیّة والخارجیّة، لاینحصر بالتوصّل، بل یمکن أن یکون هو التمکّن أو التوقّف الأعمّ من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 204
التوصّل والتمکّن، وهذا هو مراد جدّی العلاّمة فی «التقریرات» : «من أنّ الملاک الجامع هو الاستلزام العدمیّ؛ وهو ما یلزم من عدمه العدم».
فبالجملة : لابدّ من إثبات انحصار الملاک بالتوصّل؛ حتّیٰ یکون معروض الوجوب هذا الملاک، وإلاّ فلاوجه لسلب معروضیّة العنوانین الأخیرین عن الوجوب.
قلت : الدلیل هو الوجدان، والبرهان.
أمّا الأوّل : فلأنّ الضرورة قاضیة بأنّ النظر فی المقدّمات، لیس إلاّ آلیّاً إلی الغیر؛ ومرآة إلیٰ مطلوب آخر، فما هو مورد الطلب والحبّ لیست ذواتها المطلقة، فهی مقیّدة قهراً بالمطلوب الأوّل.
وأمّا الثانی : فلأنّ اللغویّة غیر جائزة علی الشرع، وفی مفروض المسألة تلزم لغویّة تشریع الوجوب علی التمکّن، أو التوقّف الأعمّ من التوصّل. ولذلک لایعتبر قصد التوصّل؛ لعدم دخالته فی الوصول والإیصال، وإن کان للشرع اعتبار ذلک لبعض الجهات فی بعض الأحیان والمقدّمات، ولکن مقدار المشروع الشرعیّ المستکشف بالعقل فرضاً، لیس إلاّ صِرْف الموصلیّة.
وغیر خفیّ : إنّا لسنا بصدد إثبات أنّ «الفصول» ذهب إلیٰ هذا المسلک، بل الظاهر أنّه اعتبر معروض الوجوب، المقدّمة إذا کان یترتّب علیها فعل الغیر، فراجع. وهذه العبارة تومئ إلی المقالة السابقة الباطل سندها واعتبارها.
فالمحصول ممّا قدّمناه : هو أنّ مقتضی الذوق البدویّ، أنّ ماهو معروضه هی الموصلة، بل هو الإیصال الفارغ عن الذات، أو هی الموصلة بالذات، ومصداقها الذاتیّ هو الإیصال، ولا خصوصیّة لقید آخر، فیکون تمام الموضوع هی الموصلیّة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 205
ولا دخالة لقصد التوصّل؛ وذلک لأنّ الملاک والمناط هو ذاک، وما هو الملاک هو الموضوع فی العقلیّات، ولا برهان علیٰ مداخلة شیء آخر، فهو تمام الموضوع. وهذا هو البرهان التامّ العقلیّ علیٰ هذا المسلک.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 206