الفصل السادس فی مقدّمة الواجب

المسلک الرابع : ما نسب إلیٰ «الفصول»

المسلک الرابع : ما نسب إلیٰ «الفصول»

‏ ‏

‏وظاهره أنّه بعدما رأیٰ أنّ أخاه صاحب «الحاشیة» اعتبر فی معروض‏‎ ‎‏الوجوب حال الإیصال‏‎[1]‎‏، علیٰ ماهو المحکیّ عنه، التفت إلیٰ أن یقول: بأنّ‏‎ ‎‏المعروض هی الموصلة.‏

‏وربّما یستظهر أنّهما فی مقام واحد؛ لعدم ذکره فی المحکیّ عنه هذا الفرض،‏‎ ‎‏وهو الوجوب حال الإیصال، فکأنّهما یقولان بشیء واحد: وهو أنّ الواجب هی‏‎ ‎‏المقدّمة إذا کان یترتّب علیها فعل الغیر، فجعل معروض الوجوب الحصّة من المقدّمة‏‎ ‎‏المنتهیة إلیٰ ذی المقدّمة، لا عنوان «الموصل» فراجع، والأمر سهل.‏

‏ثمّ لو کان المقصود کون معروض الوجوب هو عنوان «الموصل» فلیس هذا‏‎ ‎‏من العناوین القصدیّة عنده، حتّیٰ یعتبر فی اتصافها بالوجوب قصد الموصلیّة‏‎ ‎‏والإیصال، کما یظهر من تقریرات السیّد البروجردی ‏‏قدس سره‏‏ بل کلامه کالنصّ فی أنّ‏‎ ‎‏معروض الوجوب عنده، لیس قصدیّاً‏‎[2]‎‏؛ لما أنّ معنی الموصلیّة أمر یحصل فی‏‎ ‎‏الخارج عند ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة؛ سواء قصد ذلک، أم لم یقصد.‏

فبالجملة :‏ الضرورة قاضیة بأنّها لیست من العناوین القصدیّة.‏

إن قلت :‏ فما الفرق بین مقالة «الفصول» ومقالة من یقول: بأنّ الواجب هو‏‎ ‎‏السبب؛ والمقدّمة المتسبَّب بها إلیٰ ذی المقدّمة، کما یأتی عند ذکر الأقوال فی‏‎ ‎‏وجوب المقدّمة‏‎[3]‎‏؟!‏

قلت :‏ هذا ما أورده علیه سیّدنا البروجردیّ ‏‏رحمه الله‏‏ ظانّاً عدم الفرق‏‎[4]‎‏. وأنت‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 203
‏خبیر بأنّ معروض الوجوب علیٰ مقالته، قابل للتصدیق؛ من ناحیة أنّ الملاک‏‎ ‎‏ومناط الوجوب هو التوصّل، وفی الأحکام العقلیّة لابدّ من إرجاع الحیثیّات‏‎ ‎‏التعلیلیّة إلی التقییدیّة، کما عرفت، فیکون الخارج والسبب والمقدّمة الموصلة ـ‏‎ ‎‏بالحمل الشائع ـ معروض الموصل الذی هو معروض الوجوب.‏

‏وأمّا کونها بذاتها معروض الوجوب، فیتوجّه إلیه ما مرّ فی سائر المسالک‏‎[5]‎‏،‏‎ ‎‏فلاتخلط جدّاً.‏

إن قلت :‏ الإرجاع المزبور یصحّ فی تلک الأحکام، لا فی الأحکام الشرعیّة‏‎ ‎‏المستکشفة بالعقل.‏

قلت :‏ نعم، إلاّ أنّ العقل یحلّل ویجزئ الملاکات، ویصل فی هذه المسألة إلیٰ‏‎ ‎‏أنّ ماهو مناط الوجوب، هو الموصلیّة والتوصّل، فإن کان من الشرع دلیل لفظیّ‏‎ ‎‏علیٰ وجوب ذات المقدّمة لعلّة خارجیّة، کان ذلک مسموعاً.‏

‏وإلاّ فلا شأن للعقل فی أن یدرک أنّ المشروع ومعروض الوجوب، هی الذات‏‎ ‎‏المقارنة للملاک، أو الذات لأجل المناط؛ وهو الإیصال، بل العقل لایدرک أزید من‏‎ ‎‏أنّ معروض الإرادة الثانیة الترشّحیة، لیس إلاّ ماهو محبوبه ومطلوبه؛ وهو الموصل‏‎ ‎‏إلیٰ مرامه ومطلوبه الأصلیّ، دون أمر آخر.‏

‏وقد وقع هذا الخلط بین کلمات جمع من أفاضل البحث، کما وقع السهو‏‎ ‎‏الکثیر فی حدود المسألة، ویظهر ممّا حرّرناه‏‎[6]‎‏، فلانشیر إلیه؛ حذراً من الإطالة.‏

إن قلت :‏ مایمکن أن یکون ملاکاً للوجوب فی جمیع المقدّمات الداخلیّة‏‎ ‎‏والخارجیّة، لاینحصر بالتوصّل، بل یمکن أن یکون هو التمکّن أو التوقّف الأعمّ من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 204
‏التوصّل والتمکّن، وهذا هو مراد جدّی العلاّمة فی «التقریرات» : «من أنّ الملاک‏‎ ‎‏الجامع هو الاستلزام العدمیّ؛ وهو ما یلزم من عدمه العدم»‏‎[7]‎‏.‏

فبالجملة :‏ لابدّ من إثبات انحصار الملاک بالتوصّل؛ حتّیٰ یکون معروض‏‎ ‎‏الوجوب هذا الملاک، وإلاّ فلاوجه لسلب معروضیّة العنوانین الأخیرین عن الوجوب.‏

قلت :‏ الدلیل هو الوجدان، والبرهان.‏

أمّا الأوّل :‏ فلأنّ الضرورة قاضیة بأنّ النظر فی المقدّمات، لیس إلاّ آلیّاً إلی‏‎ ‎‏الغیر؛ ومرآة إلیٰ مطلوب آخر، فما هو مورد الطلب والحبّ لیست ذواتها المطلقة،‏‎ ‎‏فهی مقیّدة قهراً بالمطلوب الأوّل.‏

وأمّا الثانی :‏ فلأنّ اللغویّة غیر جائزة علی الشرع، وفی مفروض المسألة‏‎ ‎‏تلزم لغویّة تشریع الوجوب علی التمکّن، أو التوقّف الأعمّ من التوصّل. ولذلک‏‎ ‎‏لایعتبر قصد التوصّل؛ لعدم دخالته فی الوصول والإیصال، وإن کان للشرع اعتبار‏‎ ‎‏ذلک لبعض الجهات فی بعض الأحیان والمقدّمات، ولکن مقدار المشروع الشرعیّ‏‎ ‎‏المستکشف بالعقل فرضاً، لیس إلاّ صِرْف الموصلیّة.‏

وغیر خفیّ :‏ إنّا لسنا بصدد إثبات أنّ «الفصول» ذهب إلیٰ هذا المسلک، بل‏‎ ‎‏الظاهر أنّه اعتبر معروض الوجوب، المقدّمة إذا کان یترتّب علیها فعل الغیر،‏‎ ‎‏فراجع‏‎[8]‎‏. وهذه العبارة تومئ إلی المقالة السابقة الباطل سندها واعتبارها.‏

‏فالمحصول ممّا قدّمناه : هو أنّ مقتضی الذوق البدویّ، أنّ ماهو معروضه هی‏‎ ‎‏الموصلة، بل هو الإیصال الفارغ عن الذات، أو هی الموصلة بالذات، ومصداقها‏‎ ‎‏الذاتیّ هو الإیصال، ولا خصوصیّة لقید آخر، فیکون تمام الموضوع هی الموصلیّة،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 205
‏ولا دخالة لقصد التوصّل؛ وذلک لأنّ الملاک والمناط هو ذاک، وما هو الملاک هو‏‎ ‎‏الموضوع فی العقلیّات، ولا برهان علیٰ مداخلة شیء آخر، فهو تمام الموضوع.‏‎ ‎‏وهذا هو البرهان التامّ العقلیّ علیٰ هذا المسلک.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 206

  • )) هدایة المسترشدین : 219 / السطر 28، منتهی الاُصول 1 : 296 ـ 297 .
  • )) نهایة الاُصول : 193 .
  • )) یأتی فی الصفحة 210 وما بعدها .
  • )) نهایة الاُصول : 41 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 187 ـ 202 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) مطارح الأنظار: 75 / السطر 35 ـ 37 .
  • )) نفس المصدر .