الفصل السابع فی مسألة الضدّ

المرحلة الاُولیٰ فی الضدّ العامّ

المرحلة الاُولیٰ فی الضدّ العامّ

‏ ‏

‏هل أنّ طلب الشیء أو الأمر به، یقتضی الزجر والنهی عن ضدّه العامّ ـ وهو‏‎ ‎‏نقیضه أو ما فی حکمه ـ أم لا؟‏

‏أو یفصّل بین الضدّ العامّ الوجودیّ فلا، وبین العدمیّ فنعم؟‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ الذی کان ینبغی ، هو تقدیم هذا البحث علیٰ مسألة الضدّ‏‎ ‎‏الخاصّ؛ وذلک لأنّ من مقدّمات براهینه الآتیة‏‎[1]‎‏ اقتضاءه الضدَّ العامَّ، کما أنّ من‏‎ ‎‏مقدّماته وجوب المقدّمة شرعاً، وحیث فرغنا عن مسألة وجوب المقدّمة، فلابدّ من‏‎ ‎‏البحث عن اقتضاء الضدّ العامّ؛ حتّیٰ ندخل فی البحث الآتی من غیر الاحتیاج إلی‏‎ ‎‏المدخل الموضوعیّ.‏

فنقول :‏ الأقوال فی هذه المسألة کثیرة؛ فقول بأنّ الأمر بالشیء عین النهی‏‎ ‎‏عن ضدّه العامّ‏‎[2]‎‏، وقول بالتضمّن‏‎[3]‎‏، وقول بالالتزام بالمعنی الأخصّ‏‎[4]‎‏، وقول‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 305
‏بالمعنی الأعمّ‏‎[5]‎‏، وقول بعدم الاقتضاء‏‎[6]‎‏.‏

‏والأخیر هو الأوفق بالتحقیق، ولعمری إنّ المسألة واضحة وإن حکی‏‎[7]‎‏ عن‏‎ ‎‏جمع: أنّ اقتضاءه من الأمر المفروغ عنه، وإنّما الخلاف فی کیفیّة الاقتضاء‏‎ ‎‏والدلالة‏‎[8]‎‏.‏

وبالجملة :‏ من توهّم العینیّة‏‎[9]‎‏، فکأنّه کان لأجل أنّ حقیقة النهی عبارة عن‏‎ ‎‏طلب ترک الشیء، فإذن یکون معنیٰ «لاتترک الصلاة» أی أطلب منک ترک ترک‏‎ ‎‏الصلاة، وهو عین قوله: «صلّ» وإذا کان مراده من «العینیّة» هی العینیّة المصداقیّة، أو‏‎ ‎‏العینیّة فی المبادئ، أو العینیّة فی المصالح والملاکات، کان لما أفاده وجه، وإلاّ فهو‏‎ ‎‏ساقط، وعلیٰ قائله العقول ساخطة.‏

‏وهکذا من توهّم التضمّن‏‎[10]‎‏، فکأنّه أراد منه أنّ حقیقة الأمر هی طلب الشیء،‏‎ ‎‏مع المنع من الترک، فینحلّ قوله: «صلّ» إلیٰ طلب الصلاة، والنهی عن ترکها.‏

‏ویتوجّه إلیه : ـ مضافاً إلیٰ ما فی الکتب المفصّلة‏‎[11]‎‏ ـ أنّ عنوان البحث أعمّ‏‎ ‎‏من الأمر الوجوبیّ، وبناءً علیٰ مسلکه یخرج الأمر الندبیّ عن حریم النزاع، وهو‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 306
‏خلاف التحقیق.‏

‏ثمّ إنّ القائل بالعینیّة والتضمّن، لایرید الاتحاد فی المفاهیم التصوّریة؛ فإنّه‏‎ ‎‏لایقول به الجنّ ولا الإنس، بل مقصوده لزوم ترشّح الإرادة من الکراهة وبالعکس،‏‎ ‎‏کما فی مسألة مقدّمة الواجب، وقد فرغنا من ذلک تفصیلاً؛ أنّ حدیث لزوم الترشّح،‏‎ ‎‏غیر راجع إلیٰ محصّل حتّیٰ مع الالتفات والتوجّه، فضلاً عن الغفلة والذهول‏‎[12]‎‏،‏‎ ‎‏فعلیٰ هذا یسقط القول بالاستلزام بکلا معنییه أیضاً.‏

‏والمسألة لاتحتاج إلیٰ مزید بیان وتجشّم استدلال؛ ضرورة أنّ الألفاظ تابعة‏‎ ‎‏فی الدلالة لوضعها، ولا شبهة فی أنّ لفظة «النهی» و «الترک» و «ترک الترک» لاتدلّ‏‎ ‎‏إلاّ علیٰ حدود الموضوع له، وکذلک لفظة «الأمر» و «الصلاة».‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ من یقول بالاقتضاء بأیّ معنیً من معانیه، لابدّ له من أن یقول:‏‎ ‎‏بأنّ النهی عن الشیء یقتضی الأمر بضدّه العامّ؛ وهو ترک شرب الخمر، فإذن یلزم‏‎ ‎‏التسلسل؛ لأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی، والنهی یقتضی الأمر... وهکذا، فإذا‏‎ ‎‏انقطعت السلسلة فی الأثناء، فلنا أن نقول بانقطاعها من الأوّل، فلا اقتضاء رأساً.‏

‏ومن العجب تعرّض الأصحاب تفصیلاً لهذه الأقوال‏‎[13]‎‏، مع أنّها لاتحتاج إلیٰ‏‎ ‎‏مزید بیان فی الإبطال.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ أخذ بعضهم فی البحث هنا جدّاً، مع أنّه بالمزاح أولیٰ‏‎ ‎‏وأقرب، والله المستعان.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 307

  • )) یأتی فی الصفحة 311 ـ 312 و 319 ـ 321 .
  • )) الفصول الغرویّة : 92 / السطر 16، لاحظ شرح العضدی 1: 199.
  • )) معالم الدین : 63 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 303 .
  • )) مناهج الأحکام والاُصول : 61 / السطر 15، قوانین الاُصول 1 : 113 / السطر12 .
  • )) الذریعة إلیٰ اُصول الشریعة 1 : 85 ـ 88، شرح العضدی : 199، مناهج الوصول 2 : 117 ـ 120، محاضرات فی اُصول الفقه 3: 49 ـ 50 .
  • )) نهایة الاُصول : 206 .
  • )) معالم الدین: 62، فرائد الاُصول 1 : 302، نهایة الأفکار 1 : 376 ـ 377 .
  • )) الفصول الغرویّة : 92 / السطر 16، لاحظ شرح العضدی 1 : 199.
  • )) معالم الدین : 63 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 113 / السطر 9 ـ 12 ، هدایة المسترشدین : 225 / السطر 23 ، الفصول الغرویّة : 93 / السطر 31 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 3 ـ 5 .
  • )) معالم الدین : 62 ـ 67، الفصول الغرویّة : 92 ـ 93 ، مناهج الأحکام والاُصول : 61 ـ 62، مطارح الأنظار : 120 ـ 121 .