الفصل السابع فی مسألة الضدّ

الناحیة الثالثة : فیما هو الحقّ فی هذه المسألة؛ وهو انتفاء المقدّمیة

الناحیة الثالثة : فیما هو الحقّ فی هذه المسألة؛ وهو انتفاء المقدّمیة

‏ ‏

‏ویظهر ذلک بالإشارة إلیٰ جهات الضعف فی التقریب السابق‏‎[1]‎‏، وهی کثیرة،‏‎ ‎‏نشیر إلیٰ بعض منها:‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 324
فمنها :‏ أنّا إذا راجعنا وجداننا فی الأعیان الخارجیّة؛ وکیفیّة تلوّنها بالألوان‏‎ ‎‏المتضادّة، نتمکّن من أن نحکم بجواز أن یوجد جسم متلوّناً بلون السواد من غیر أن‏‎ ‎‏یسبق علیه عدم البیاض سبقاً زمانیّاً، ولا غیر زمانیّ، وماهذا إلاّ لعدم مدخلیّة عدم‏‎ ‎‏الضدّ فی طروّ الضدّ الآخر.‏

‏وأمّا دخالة عدم السواد الموجود فی الجسم فی طروّ البیاض، فهو أیضاً‏‎ ‎‏اشتباه؛ لأنّ صدق «عدم کون الجسم أسود» کافٍ لقابلیّة الجسم للبیاض، ولا یعتبر‏‎ ‎‏صدق «کون الجسم غیر أسود» حتّیٰ یقال: بأنّ هذا المحمول یعتبر فی تحقّق ضدّه،‏‎ ‎‏وهذا من الخلط بین القضیّة السالبة المحصّلة، والموجبة المعدولة، وسیظهر حلّ‏‎ ‎‏المسألة بوجه عقلیّ وعلمیّ.‏

ومنها :‏ أنّ فی جمیع موارد توهّم شرطیّة عدم المانع، یرجع الأمر إلیٰ شرطیّة‏‎ ‎‏ضدّ المانع.‏

مثلاً :‏ ما اشتهر «من شرطیّة عدم الرطوبة لتأثیر النار» فهو فی الحقیقة معناه‏‎ ‎‏اشتراط الیبوسة، فإذا قیل: «عدم السواد شرط عروض البیاض» فهو معناه أنّ‏‎ ‎‏الإمکان الاستعدادیّ والقابلیّة الخاصّة، معتبر فی عروض اللّون المخصوص،‏‎ ‎‏ولایکفی مجرّد التجسّم فی ذلک العروض، وتلک القابلیّة منتفیة بلون السواد، وثابتة‏‎ ‎‏عند فقده، فلایکون عدم السواد شرطاً، بل هناک أمر آخر وجودیّ یلازم ذلک.‏

‏والذی هو اُسّ المسألة : أنّ العدم سواء کان عدماً مطلقاً أو مضافاً، لایحکم‏‎ ‎‏علیه بالأحکام الساریة إلی الخارج، ولایکون موضوعاً؛ لأنّه السلب والباطل‏‎ ‎‏والعاطل، وماهو حقیقته اللاّحقیقة، کیف یحکم علیه «بأنّه مقدّمة لکذا» أو «الأمر‏‎ ‎‏الوجودیّ مقدّمة لذلک العدم الکذائیّ»؟!‏

‏وهذه القضایا تسویلات نفسانیّة، لا محاکاة لها فی الخارج؛ فإنّ الخارج‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 325
‏ظرف الوجودات، ولا معنیٰ لاتصافه بالأعدام، إلاّ الأعدام التی تقع حذاء الملکات،‏‎ ‎‏وهی فی الحقیقة قوّة الوجودات، کما اُشیر إلیه فی السابق‏‎[2]‎‏.‏

‏فکون الإنسان متلوّناً بلون الصلاة، لایجتمع مع تلوّنه بلون فعل الإزالة،‏‎ ‎‏ولکن یکفی لعروض اللون الثانی صدق «أنّه لیس متلوّناً بلون الصلاة» ولایعتبر‏‎ ‎‏کونه متلوّناً بلون عدم الصلاة فی تلوّنه بلون فعل الإزالة.‏

وإن شئت قلت :‏ لایعتبر إرادة ترک الصلاة فی تحقّق إرادة فعل الإزالة، بل‏‎ ‎‏یکفی عدم إرادة فعل الصلاة لحصول تلک الإرادة. وهذا هو العدم الصرف الذی لا‏‎ ‎‏محکیّ له فی الخارج، ولایمکن أن یتخیّل مقدّمیة ذلک؛ لأنّه لا شیء محض، ومن‏‎ ‎‏الاختراعات النفسانیّة، علی الوجه المحرّر فی کتابنا «القواعد الحکمیّة»‏‎[3]‎‏.‏

فما اشتهر :‏ «أنّ ترک الصلاة مقدّمة»‏‎[4]‎‏ إن اُرید منه أنّ إرادة ترک الصلاة‏‎ ‎‏لازمة، فهو واضح المنع.‏

‏وإن اُرید عدم إرادة فعل الصلاة؛ بأن لایکون المکلّف متلوّناً باللون الصلاتیّ،‏‎ ‎‏فهو اعتبار صحیح، ولکنّه لیس مقدّمة، ولایعقل مقدّمیته؛ لأنّه القضیّة السالبة‏‎ ‎‏المحصّلة الصادقة حتّیٰ فی ظرف انتفاءِ موضوعها.‏

‏ولعمری، إنّ من ألّف هذا البرهان من هذه المقدّمة‏‎[5]‎‏، کان ینظر إلی‏‎ ‎‏الإطلاقات العرفیّة، غفلةً عن أنّ الحقائق الحکمیّة، لاتقتنص من تلک الإطلاقات،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 326
‏ولیس هنا محلّ التسامح؛ لأنّ فی موقف إقامة البرهان العقلیّ، لابدّ من إعمال القوّة‏‎ ‎‏الفکریّة غایتها ونهایتها، کما هو غیر خفیّ علیٰ أهلها.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 327

  • )) تقدّم فی الصفحة 322 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 315 .
  • )) القواعد الحکمیة، للمؤلف قدس سره (مفقودة).
  • )) قوانین الاُصول 1 : 108 / السطر 20 ـ 21 و 113 / السطر 18 ـ 25 ، الفصول الغرویّة : 108 / السطر 12 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 296 ، أجود التقریرات 1 : 243 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 108 / السطر 20 ، هدایة المسترشدین : 230 / السطر 1 ـ 3 .