الفصل السابع فی مسألة الضدّ

المسلک الثانی ما لبعض آخر بتقریب منّا

المسلک الثانی ما لبعض آخر بتقریب منّا

‏ ‏

‏وهو أنّ الأمر لا یتعلّق إلاّ بالطبیعة، کما تقرّر سابقاً وتحرّر‏‎[1]‎‏، فإذا أمر المولیٰ‏‎ ‎‏بإزالة النجاسة من المسجد، فما هو المأمور به طبیعة کلّیة، ولیست الخصوصیّات‏‎ ‎‏الخارجة عن الملاکات، داخلة فی حدود المأمور به، ولاینبسط علیها الأمر.‏

‏وهکذا إذا أمر بالصلاة من أوّل الظهر إلی الغروب، فالمأمور بها صلاة مقیّدة‏‎ ‎‏بالوقت المحدود بالحدّین، کلّیة قابلة للانطباق علی الأفراد الطولیّة، ولایکون‏‎ ‎‏التخییر شرعیّاً بالضرورة.‏

‏فإذا توجّه التکلیف بالإزالة فی الوقت المحدود للصلاة، وکان أهمّ ، فإنّه‏‎ ‎‏لایستلزم سقوط الأمر بالنسبة إلی الصلاة حال التزاحم؛ لأنّ ماهو مورد الأمر‏‎ ‎‏لایزاحم الإزالة، وما یزاحم الإزالة لیس مورد الأمر.‏

‏نعم، إذا ضاق وقت الصلاة، فضیق الوقت وإن کان لایورث انقلاباً فی الأمر،‏‎ ‎‏ولا فی متعلّقه، ولا یصیر الواجب الموسّع مضیّقاً، ولکن لایعقل للمولی الملتفت‏‎ ‎‏إرادة الصلاة؛ للزوم الجمع بین الضدّین، وهو ممتنع، فتأمّل.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 340
أقول :‏ ما نسب‏‎[2]‎‏ إلی المحقّق الثانی ‏‏قدس سره‏‏ من التفصیل السابق‏‎[3]‎‏ مخدوش؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ الخطابات الشرعیّة، إن کانت تنحلّ بحسب الآحاد والأفراد إلی‏‎ ‎‏الخطابات الجزئیّة والشخصیّة، وتنحلّ بحسب حالات الأفراد، کالعجز والقدرة، کما‏‎ ‎‏هو الرأی العام‏‎[4]‎‏، فکذلک هی تنحلّ بحسب أجزاء الزمان فی الواجبات الموسّعة؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ المولیٰ إذا سئل فی حال المزاحمة عن وجوب الصلاة والإزالة معاً، وعن‏‎ ‎‏فعلیّة أحدهما أو کلیهما، فلایتمکّن من أن یجیب بالنسبة إلیٰ تلک اللحظة: «بأنّ‏‎ ‎‏کلیهما منجّز وجوبه» فیتعیّن الأهمّ، ویکون المهمّ بلا أمر.‏

‏وهذا الانحلال العقلیّ لایستلزم کون التخییر شرعیّاً، کما هو غیر خفیّ علیٰ‏‎ ‎‏أهله.‏

فبالجملة :‏ یقتضی انحلال الخطاب بحسب حال المکلّف، وعدم إمکان‏‎ ‎‏خطاب العاجز، امتناع الخطاب فی أثناء الوقت بالنسبة إلی الصلاة؛ لأنّ لازم طلب‏‎ ‎‏الأهمّ صرف القدرة فیه، وعند ذلک یمتنع ترشّح الإرادة بالنسبة إلی المهمّ.‏

‏وهذا معنیٰ قولهم : «الممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ»‏‎[5]‎‏ لأنّه یرجع إلی‏‎ ‎‏الامتناع بالغیر، فهو کالممتنع بالذات عقلاً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 341
وغیر خفیّ :‏ أنّه لایتوقّف جواز الأمر بالمهمّ حال التوسعة، علیٰ کون الأوامر‏‎ ‎‏متعلّقة بالطبائع، بل ولو کانت هی متعلّقة بالأفراد یمکن توهّم إمکانه؛ لأنّ معنیٰ‏‎ ‎‏تعلّقها بالأفراد لیس هو تعلّقها بالخارج؛ فإنّه واضح الفساد، ضرورة أنّ الفرد‏‎ ‎‏الخارجیّ للمأمور به وافٍ بالغرض، ولا داعی إلیٰ تحصیله، فلو قال المولیٰ: «أزل‏‎ ‎‏فوراً» وقال: «أوجد فرداً من الصلاة من أوّل الزوال إلی المغرب» یجوز توهّم‏‎ ‎‏إمکانه؛ لسعة الوقت، ولکفایة القدرة المهملة لتکلیفه فعلاً فی تمام الوقت.‏

فبالجملة :‏ ماهو السرّ لتوهّم الإمکان لسعة الوقت، وماهو الحجر الأساس‏‎ ‎‏لبطلان التوهّم المزبور، انحلال الخطاب حسب أجزاء الزمان.‏

‏نعم، بناءً علیٰ ماهو الحقّ؛ من عدم انحلال الخطاب القانونیّ إلی الخطابات‏‎ ‎‏حسب الأفراد والحالات، ولا بالنسبة إلیٰ أجزاء الزمان، فیمکن تصویر الأمر بالمهمّ‏‎ ‎‏فی عَرْض الأمر بالأهمّ مطلقاً؛ موسّعین کانا، أو مضیّقین، وسیأتی تفصیله من ذی‏‎ ‎‏قبل إن شاء الله تعالیٰ‏‎[6]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 342

  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 229 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 261، وقایة الأذهان: 319 ـ 320.
  • )) جامع المقاصد 5 : 12 ـ 14 .
  • )) المعروف المشهور انحلال الخطابات إلیٰ خطابات جزئیّة شخصیّة بعدد أفراد المکلّفین ویستفاد ذلک من خلال کلماتهم لاحظ للمثال : فرائد الاُصول 2 : 420 ـ 421 و 523 ـ 524، کفایة الاُصول : 168 ، فوائد الاُصول 4 : 50 ـ 55 ، منتهی الاُصول 1 : 227، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 51 ـ 52، و5: 151، وقد خالفهم فی ذلک المؤلّف الشهید قدس سرهتبعاً لوالده العلاّمة الإمام الخمینی قدس سره : لاحظ تهذیب الاُصول 1 : 307 ـ 308 ، مناهج الوصول 2 : 25 ـ 28 ، ویأتی البحث عنه مفصّلاً فی الصفحة 427 وما بعدها .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 314، منتهی الاُصول 1: 319، محاضرات فی اُصول الفقه 3 : 61.
  • )) یأتی فی الصفحة 439 ـ 456 .