الفصل السابع فی مسألة الضدّ

الصورة الرابعة

الصورة الرابعة :

‏ ‏

‏ما إذا کان أحدهما موسّعاً، والآخر مضیّقاً، فإنّ بین الأصحاب ـ رضی الله ‏‎ ‎‏عنهم ـ من توهّم وقوع التضادّ؛ وأنّ النوبة تصل إلیٰ معالجته بما یعالج به غیره‏‎[1]‎‏،‏‎ ‎‏ومن قال : بأنّ المزاحمة منتفیة‏‎[2]‎‏.‏

‏وقد شرحنا ذلک عند قول المحقّق الثانی ‏‏قدس سره‏‏، وذکرنا أنّ الأمر دائر بین أحد‏‎ ‎‏أمرین: إمّا الالتزام بالتزاحم هنا وفی المضیّقین بالعرض، أو الالتزام بعدم التزاحم‏‎ ‎‏مطلقاً حتّیٰ فی المضیّقین بالعرض‏‎[3]‎‏؛ ضرورة أنّ الواجب الموسّع لاینقلب إلی‏‎ ‎‏المضیّق بضیق الوقت، بل کیفیّة الإرادة والحکم فی أوّل الزمان، عین تلک الکیفیّة فی‏‎ ‎‏أثنائه وفی آخره، فتأمّل.‏

فبالجملة :‏ لا فرق بین الصور الثلاث الأخیرة ـ أی الواجبین المضیقیّن‏‎ ‎‏بالعرض، والواجبین الموسّعین، والواجبین اللّذین أحدهما موسّع، والآخر مضیّق ـ‏‎ ‎‏فی أنّها مندرجة فی کبریٰ باب التزاحم، فإن قلنا بالانحلال، یکن العبد واقعاً فی‏‎ ‎‏محذور الجمع بین التکلیفین مع القدرة الواحدة، ولایتمکّن من الجمع بین التکلیفین،‏‎ ‎‏فلابدّ من علاجهما، والعلاج ما عرفت‏‎[4]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 360
‏نعم، إذا قلنا: بعدم الانحلال فلایقع فی المحذور المزبور؛ لإمکان الجمع‏‎ ‎‏بینهما إلاّ فی آخر الوقت، فإنّ مع فعلیة الخطابین والقدرة واحدة لایتمکّن من‏‎ ‎‏تطبیقهما، فلابدّ من علاجهما بما عرفت تفصیله‏‎[5]‎‏.‏

‏وأمّا ما اُشیر إلیه: من أنّ بعضاً منهم قال: «بأنّ المزاحمة تقع بین المضیّق‏‎ ‎‏والموسّع، ولاتقع بین الموسّعین» فهو غیر تامّ؛ لأنّ وجه الوقوع هو الانحلال، فإذا‏‎ ‎‏انحلّ کلّ من خطابی الواجبین الموسّعین تقع المزاحمة، ویقع المکلّف فی المحذور.‏

وتوهّم :‏ أنّ الوجه هو أنّ الإطلاق عنده هو جمع القیود‏‎[6]‎‏، فإذا کان من‏‎ ‎‏القیود قید المزاحمة مع الواجب الآخر المضیّق، وکان هذا التقیید ممتنعاً، فیکون‏‎ ‎‏الإطلاق ممتنعاً، فیرجع الأمر إلی المحذور، فلابدّ من رفع الید: إمّا عن دلیل الواجب‏‎ ‎‏المضیّق، أو إطلاق الواجب الموسّع، وعند ذلک لایعقل الجمع بین الخطابین الفعلیّین‏‎ ‎‏العرضیّین، فلابدّ من الالتزام بالترتّب الذی هو العلاج المشهور، أو الالتزام بسقوط‏‎ ‎‏الکلّ‏‎[7]‎‏ أو أحدهما، وهو علاج أبدعناه فی المقام‏‎[8]‎‏.‏

فاسد؛‏ ضرورة أنّ مقتضیٰ هذا انقلاب کبری التزاحم إلی التعارض، وتکون‏‎ ‎‏المعارضة بعد ذلک فی المدلولین؛ أی مدلول خطاب الواجب المضیّق، ومدلول‏‎ ‎‏خطاب الواجب الموسّع، ویصیر المرجع عندئذٍ العرف، وهو حاکم بالتقیید؛ أی عدم‏‎ ‎‏وجوب الفرد المزاحم.‏

بیان ذلک :‏ أنّ التعارض هو تعاند الأدلّة وتکاذبها فی مرحلة التشریع والتقنین‏‎ ‎‏والجعل، فإذا ورد «أنّ فعل الإزالة واجب» وورد فی دلیل آخر «إنّ الصلاة واجبة»‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 361
‏یقع التکاذب بینهما فی مرحلة الدلالة والإنشاء؛ بمعنیٰ أنّ قضیّة إطلاق الدلیل الثانی‏‎ ‎‏ـ حسب الإنشاء الصوریّ ـ وجوب الفرد المزاحم، وحیث هو غیر ممکن إیجابه؛‏‎ ‎‏لأنّ التقیید ممتنع، فلابدّ وأن یرفع الوجوب عن هذا الفرد، وحینئذٍ بین دلیل الواجب‏‎ ‎‏المضیّق وهذا الواجب الموسّع یمکن الجمع العقلائیّ؛ بإخراج الفرد المزاحم.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ کون المسألة من صغریات باب التزاحم، مشروط بأن‏‎ ‎‏یستکشف الملاک والمطلوبیّة من إطلاق کلّ واحد من الدلیلین مثلاً، ولأجل‏‎ ‎‏المحذور العقلیّ لایتمکّن العبد من الجمع، فیتوصّل إلی الخطاب الترتّبی، أو إسقاط‏‎ ‎‏أحدهما، وإثبات الآخر؛ بالوجه المحرّر عندنا‏‎[9]‎‏.‏

‏وأمّا إذا امتنع التقیید والإطلاق، فلا یعقل کشف الملاک فی مورد القید، فعند‏‎ ‎‏ذلک کیف یعقل الأمر الترتّبی؟! فلابدّ أوّلاً من کون ملاک کلّ واحد غیر مقیّد بالآخر،‏‎ ‎‏ویکون مطلوبیّة کلّ فی عَرْض مطلوبیّة الآخر وإن کان الخطاب لیس کذلک.‏

‏وأمّا علیٰ ما سلکه، یلزم عدم إمکان تصویر الأمر بالمهمّ؛ لأنّه لا دلیل‏‎ ‎‏لکشف الملاک حتّیٰ یرفع الید عن الإطلاق بالمقدار اللاّزم عقلاً؛ وهو صورة إطاعة‏‎ ‎‏الأهمّ دون عصیانه.‏

‏ثمّ إنّ کون الإطلاق جمع القیود‏‎[10]‎‏ من الأباطیل، وإنّ امتناع التقیید یستلزم‏‎ ‎‏امتناع الإطلاق‏‎[11]‎‏ مخدوش، بل امتناع التقیید یستلزم وجوب الإطلاق. وقد مرّ ما‏‎ ‎‏یتعلّق بذلک فی مباحث التعبّدی والتوصّلی‏‎[12]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 362
وغیر خفیّ :‏ أنّ هذه المسألة غیر مرتبطة بکون النسبة بین الإطلاق والتقیید‏‎ ‎‏العدمَ والملکة، أو التضادّ، أو السلب والإیجاب، کما هو الموافق للتحقیق.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 363

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4: 709، منتهی الاُصول 1: 357.
  • )) جامع المقاصد 5 : 12، مناهج الأحکام والاُصول: 64 / السطر 22، مطارح الأنظار: 114 / السطر33، محاضرات فی اُصول الفقه 3 : 93 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 340 ـ 342 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 357 ـ 358 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 349 ـ 350 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 564.
  • )) لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 3 : 92 ـ 93 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 345 ـ 346 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 343 ـ 350 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 564 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 155 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 150 ـ 152 .