الفصل السابع فی مسألة الضدّ

تذنیب : فی تصوّر المزاحمة بین الواجب والحرام وعلاجها

تذنیب : فی تصوّر المزاحمة بین الواجب والحرام وعلاجها

‏ ‏

‏کما یتصوّر المزاحمة بین دلیلی الواجبین، یتصوّر المزاحمة بین الحرام‏‎ ‎‏والواجب.‏

مثلاً :‏ إذا آجرت الحائض نفسها لکنس المسجد فی یوم الخمیس، ثمّ بعد‏‎ ‎‏عقد الإجارة حاضت، فإنّها یحرم علیها الدخول، ولاتتمکّن من امتثال التکلیفین:‏‎ ‎‏التحریمیّ، والوجوبیّ ؛ ضرورة أنّ الأوّل یقتضی دخول المسجد، والآخر یقتضی‏‎ ‎‏حرمته ومنعها منه، فیتزاحم دلیل الحرمة مع دلیل الوفاء بالعقد، فلابدّ من العلاج،‏‎ ‎‏وعلاجه ـ حسب ما تحرّر‏‎[1]‎‏ـ صحّة عقد الإجارة عند البناء علی العصیان والتخلّف.‏

إن قلت :‏ قضیّة النصّ‏‎[2]‎‏ والفتویٰ‏‎[3]‎‏ اشتراط صحّة عقد الإجارة بکون المنفعة‏‎ ‎‏محلّلة؛ فـ ‏«إنّ الله تعالیٰ إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه»‎[4]‎‏ فلاتقع الإجارة صحیحة من‏‎ ‎‏رأس، فإذا حاضت یستکشف عدم انعقاد العقد المزبور، فلیست هذه المسألة من‏‎ ‎‏صغریات کبری التزاحم.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 363
قلت أوّلاً :‏ إنّ المحرّم هو دخول المسجد والمکث فیه، ومورد الإجارة هو‏‎ ‎‏الکنس، والکنس لیس مورد النهی وعلیٰ هذا تقع صحیحة، ویحصل المحذور‏‎ ‎‏العقلیّ القابل للعلاج، فتأمّل‏‎[5]‎‏.‏

وثانیاً :‏ ما اشتهر من أنّ إجارة النفس وإیجارها من الإجارة المصطلحة‏‎[6]‎‏،‏‎ ‎‏ممنوع عندنا، بل حقیقة هذه الإجارة غیر إجارة الأعیان، ولایکون ثمرة العقد إلاّ‏‎ ‎‏اشتغال الذمّة بالأداء، فلایکون ثمن العقد مقابل منفعة؛ حتّیٰ یکون محرّماً‏‎ ‎‏بمحرّمیة المنفعة والمثمن. وقد تحرّر منّا فی محلّه: احتمال اختصاص القاعدة بالبیع‏‎ ‎‏دون غیره‏‎[7]‎‏.‏

وثالثاً :‏ إذا قلنا بأنّ الحرمة هی الاعتبار الحاصل من إنشاء الزجر، فهی تنتفی‏‎ ‎‏بالبناء علیٰ دخول المسجد، حسب ما تحرّر منّا‏‎[8]‎‏، فلا حرمة حتّیٰ یتحقّق صغری‏‎ ‎‏القاعدة الفقهیّة؛ وهی ‏«إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه».

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ مقتضیٰ ذلک سقوط القاعدة کلاًّ، فیعلم منه أنّ‏‎ ‎‏المبغوضیّة کافیة لبطلان العقد، فلیتأمّل جیّداً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 364
وبالجملة :‏ الغرض هو التنبیه علیٰ عدم انحصار صغریات کبری التزاحم‏‎ ‎‏بالواجبات، وعلیک أن توجد مثالاً آخر خالیاً عن هذه الشبهة.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 365

  • )) لاحظ فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 155 و 565 .
  • )) تهذیب الأحکام 7 : 134 / 593، وسائل الشیعة 17 : 174، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 39، الحدیث 1 .
  • )) لاحظ إیضاح الفوائد 2 : 251، مفتاح الکرامة 7 : 135 / السطر 8، العروة الوثقیٰ 2: 575 کتاب الإجارة، الفصل الأوّل، تحریر الوسیلة 1 : 571، کتاب الإجارة، المسألة 2.
  • )) عوالی اللآلی 1 : 181 / 240، مسند أحمد بن حنبل 1 : 322 ، السنن الکبریٰ ، للبیهقی 6 : 13 .
  •     وجهه : هو أنّ الکنس یلازم المکث والدخول، ولایعقل ترشّح إرادة جعل الحلّیة بالنسبة إلیٰ عنوان الکنس، بعد حرمة الدخول المطلق.     اللهمّ إلاّ أن یقال: لا حاجة إلیٰ تلک الإرادة، بل یکفی عدم محرّمیة مورد الإجارةأ، واستلزام المحرّم لایورث الحرمة، کما تحرّر سابقاً(ب)، فتدبّر (منه قدس سره).(أ) لاحظ مستند العروة الوثقیٰ ، کتاب الإجارة : 48 .(ب) تقدّم فی الصفحة 320 .
  • )) قواعد الأحکام 1 : 228 / السطر 24، مفتاح الکرامة 7 : 116 / السطر 3 و172 / السطر5، تحریر الوسیلة 1 : 570 .
  • )) لم نعثر علیه فیما بأیدینا من کتبه قدس سره.
  • )) تقدّم فی الصفحة 349 ـ 350 .