الفصل السابع فی مسألة الضدّ

إیقاظ : فی إمکان تصحیح الصلاة مع ترک الجزء أو الشرط عمداً

إیقاظ : فی إمکان تصحیح الصلاة مع ترک الجزء أو الشرط عمداً

‏ ‏

‏لاشبهة فی أنّ المرکّب الاعتباریّ، یبطل بالإخلال بما یعتبر فیه؛ شرطاً أو‏‎ ‎‏شطراً، زیادة أو نقیصة، فإذا دلّ الدلیل علیٰ صحّته عند الاختلال، یستکشف منه أنّ‏‎ ‎‏ماهو الجزء أو الشرط، له الجزئیّة والشرطیّة فی إحدی الحالات، دون کلّها.‏

مثلاً :‏ قضیّة القواعد الأوّلیة، بطلان الصلاة بالإخلال بما اعتبر فیها، وقضیّة‏‎ ‎‏قاعدة «لاتعاد» صحّتها مع الإخلال بکثیر من أجزائها وشرائطها، إلاّ خمسة منها‏‎ ‎‏مثلاً، ومقتضیٰ إطلاق تلک القاعدة صحّتها حتّیٰ مع الإخلال بها جهلاً وعمداً، فضلاً‏‎ ‎‏عن النسیان والغفلة حکماً أو موضوعاً، وعند ذلک یلزم الشبهة العقلیّة؛ وهی لغویّة‏‎ ‎‏أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط جزءً وشرطاً؛ ضرورة أنّ معنی الجزئیّة والشرطیّة، هو‏‎ ‎‏البطلان والفساد ولو فی حال من الحالات کالعمد‏‎[1]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 375
‏وأمّا الالتزام بصحّتها حتّیٰ مع الإخلال العمدیّ، فهو غیر معقول إلاّ برجوع‏‎ ‎‏تلک الأدلّة إلیٰ أنّها فی مقام إیجاب الشیء فی المرکّب کالقنوت فی الصلاة،‏‎ ‎‏ولایمکن الجمع بین الجزئیّة والشرطیّة وبین الصحّة.‏

أقول :‏ قد التزم بذلک العلاّمة الورع التقیّ الشیرازیّ ‏‏قدس سره‏‏ وصدّقه الوالد‏‎ ‎‏ـ مدّظلّه فی محلّه‏‎[2]‎‏؛ تخیّلاً «أنّ إشکال المسألة : هو أنّ ترک ما وجب فی الصلاة‏‎ ‎‏عامداً، یوجب عدم تحقّق الامتثال، الموجب للإعادة عقلاً مع بقاء الوقت، کما هو‏‎ ‎‏المتیقّن من مورد الروایة، والحکم بعدم الإعادة منافٍ لذلک» انتهیٰ ما فی رسالته‏‎ ‎‏المعمولة فی الخلل‏‎[3]‎‏.‏

‏وأجاب ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد النقض ببعض أفعال الحجّ، حیث یقولون بصحّة الحجّ مع‏‎ ‎‏تعمّد ترک بعض أجزائه غیر الرکنیّة‏‎[4]‎‏، وبالجاهل المقصّر فی حکم القصر‏‎ ‎‏والإتمام‏‎[5]‎‏، والجهر والإخفات فی الصلاة ـ‏‎[6]‎‏: «بأنّ من الممکن الالتزام بأمرین:‏‎ ‎‏أمر متعلّق بالأقلّ وهو الخمسة مثلاً، وأمر آخر متعلّق بتلک الأجزاء أیضاً،‏‎ ‎‏وبالأجزاء الاُخر المفروض وجوبها، فیتحقّق هناک أمران: أمر بالبعض، وأمر بالکلّ‏‎ ‎‏المشتمل علیٰ ذلک کلّه وغیره، نظیر ما إذا نذر الإتیان بالصلاة المشتملة علی‏‎ ‎‏الأجزاء المستحبّة، ونظیر الأمر الندبیّ فی الصلاة الندبیّة.‏

‏فإذا تحقّق تصویر ذلک، فلو أتیٰ بالصلاة، وأخلّ ببعض ما یعتبر فی الأمر‏‎ ‎‏الثانی، فلایمنع ذلک من الصحّة؛ وحصول الامتثال، وعدم وجوب الإعادة بالنسبة‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 376
‏إلی الأمر الأوّل؛ لما فرض من عدم الإخلال بما یعتبر فیه، وإنّما أخلّ بما یعتبر فی‏‎ ‎‏الأمر الثانی، وذلک یوجب عدم الامتثال بالنسبة إلیه فقط، لا بالنسبة إلیٰ مجموع‏‎ ‎‏المرکّب.‏

‏لکنّه یسقط الأمران جمیعاً بالنسبة إلیه :‏

‏أمّا الأمر الأوّل : فلما فرض من تحقّق امتثاله.‏

‏وأمّا الأمر بالأکثر: فلعدم بقاء مورد له بعد سقوط الأمر الأوّل؛ لما فرض من‏‎ ‎‏أنّ مورده عین مورد الأوّل، مع إضافة زیادات من الأجزاء والشرائط إلیه، فبعد‏‎ ‎‏سقوط الأمر الأوّل، وعدم بقاء مورد له، لایبقیٰ مورد للأمر الثانی؛ لأنّ مورد الأمر‏‎ ‎‏الأوّل بعض مورد الأمر الثانی، وانتفاء الجزء موجب لانتفاء الکلّ. وذلک لاینافی‏‎ ‎‏کونه عاصیاً بالنسبة إلی الثانی، ومطیعاً بالنسبة إلی الأمر الأوّل»‏‎[7]‎‏ انتهیٰ بألفاظه‏‎ ‎‏الشریفة، مع رعایة الاختصار.‏

أقول :‏ لولا جلالة شأنه لما کان وجه لنقل ما أفاده، مع ما فیه من الأنظار‏‎ ‎‏الواضحة حتّیٰ فی تنظیراته، ومع أنّ إشکال المسألة لیس ما ذکره؛ فإنّ تصویر‏‎ ‎‏الواجب فی الواجب لیس محتاجاً إلی العنایة.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ المعضلة ما عرفت، وهی غیر قابلة للانحلال بذلک الوجه؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ البعض والکلّ لایکونان متباینین، حتّیٰ یمکن تعلّق الوجوبین‏‎ ‎‏التأسیسیّـین المستقلّین بهما؛ للزوم کون الأقلّ مورد الأمرین التأسیسیّـین‏‎ ‎‏المستقلّین، وهو بمراحل عن الواقع. ومسألة الواجب فی الواجب أیضاً لیست من‏‎ ‎‏قبیل أمرین، أحدهما: متعلّق بالکلّ، والآخر: بالبعض.‏

وبالجملة :‏ لو أراد إبطال الطبیعة الکلّیة دون الطبیعة الناقصة بتصویر طبیعتین،‏‎ ‎‏إحداهما: الأقلّ، والاُخریٰ: الأکثر، فلایعقل کون المکلّف مورداً لخطابین فعلیّین‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 377
‏عرضاً، أحدهما: متعلّق بالکلّ، والآخر: بالبعض، مع کونهما خطابین تأسیسیّین‏‎ ‎‏مستقلّین مستتبعین للعقاب والثواب.‏

فبالجملة :‏ یمکن أن یقال : بأنّ اعتبار الجزئیّة والشرطیّة، باعتبار بطلان‏‎ ‎‏الطبیعة الکلّیة، دون أصل الطبیعة؛ أی هنا دائرتان: المحیطة، والمحاطة:‏

‏أمّا المحیطة، فهی بالإخلال تبطل.‏

‏وأمّا المحاطة، فلاتبطل إلاّ بالإخلال بالخمسة.‏

‏ولکنّه مجرّد فرض لابدّ من کونهما مورد الأمرین، وهو غیر معقول حسب‏‎ ‎‏الوجدان والعقل.‏

‏فإذا وصلت النوبة إلیٰ ذلک فلنا تصویر أمرین، أحدهما: متعلّق بالکلّ فی‏‎ ‎‏الابتداء، والآخر: لایتعلّق بشیء، ولایدعو نحو شیء فعلاً وقبل الصلاة، فإذا شرع‏‎ ‎‏فی الصلاة، وترک السورة مثلاً عمداً، یسقط الأمر الأوّل، ویتوجّه إلیه الأمر الثانی؛‏‎ ‎‏لأنّ مطلوبه طولیّان أحدهما: الکلّ، والآخر: هی الخمسة، وهی الدائرة المحاطة.‏‎ ‎‏فإبطال الدائرة المحیطة والکلّ، لایستلزم بطلان الآخر، من غیرلزوم الأمرین‏‎ ‎‏العرضیّـین، وإذا کان بناؤه علیٰ ترک تلک الأجزاء، فیدعوه إلی الخمسة الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بها.‏

‏وبذلک ینتفی الإشکال العقلیّ. فمن علاج باب التزاحم، ربّما یستخرج بعض‏‎ ‎‏المسائل الاُخر، کما عرفت، فافهم واغتنم.‏

‏ولو أبیت عن الالتزام بالإشکال العقلیّ المزبور‏‎[8]‎‏؛ إمّا لأجل الشبهة فی‏‎ ‎‏کبراه، أو لأجل الشبهة فی صغراه؛ بدعویٰ أنّ الأمر المتعلّق بالکلّ، غیر الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بطائفة من الأجزاء بحسب المتعلّق؛ فإنّ متعلّق الأوّل عنوان فانٍ فیه‏‎ ‎‏الأجزاء الرکنیّة وغیر الرکنیّة، ومتعلّق الثانی عنوان فانٍ فیه الأجزاء الرکنیّة، من غیر‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 378
‏کون العنوان المزبور ـ بحسب التفصیل ـ غیر الأجزاء، ولکنّه فی لحاظ الوحدة‏‎ ‎‏والکثرة مختلف معها‏‎[9]‎‏، کما تقرّر فی محلّها‏‎[10]‎‏.‏

فلنا أن نقول :‏ إنّ الضرورة قاضیة بعدم وجود الخطابین الفعلیّین العرضیّین‏‎ ‎‏بالنسبة إلیٰ کلّ أحد، حتّیٰ یقال: بأنّ کلّ من یأتی بتمام الأجزاء وبالطبیعة المحیطة،‏‎ ‎‏یمتثل الأمرین، ویستحقّ الثوابین، ومن یترکها یعاقب عقابین.‏

‏نعم، علیٰ ما تصوّرناه لایلزم تلک التوالی؛ وذلک لأنّ من ضمّ الأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالکلّ إلیٰ إطلاق قاعدة ‏«لاتعاد...»‏ یستفاد أنّ المطلوب ذو مرتبتین؛ وأنّ المطلوب‏‎ ‎‏الأوّلی هو الطبیعة الکلّیة التی تبطل بترک الجزء العمدیّ، ولایلیق إتیان سائر‏‎ ‎‏الأجزاء غیر الرکنیّة؛ لأنّه بلا أثر، لبطلان الکلّ بترکه، والمطلوب المحفوظ بعد‏‎ ‎‏عصیان المطلوب الأوّل أو بعد البناء علیٰ ترکه، هو الطبیعة الناقصة المحاطة‏‎ ‎‏المتشکّلة من الخمسة مثلاً، وهی متعلّق الأمر الحادث، وتصیر صحیحة.‏

‏ولو تمّ هذه التوهّمات لترتّب علیها الفروع الکثیرة، ولعلّ قضیّة الجمع بین‏‎ ‎‏الشرطیّة والصحّة المطلقة فی الحجّ لأجل هذا، وإلاّ فلابدّ من الالتزام بعدم الشرطیّة؛‏‎ ‎‏وبأنّه من قبیل الواجب فی الواجب، فتأمّل.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 379

  • )) یأتی فی الجزء الثامن : 97 .
  • )) الخلل فی الصلاة، الإمام الخمینی قدس سره : 184 ـ 185 .
  • )) الخلل فی الصلاة، المحقّق الشیرازی : 194 .
  • )) جامع المقاصد 3 : 259 .
  • )) جامع المقاصد 2 : 516، مدارک الأحکام 4 : 472 ـ 473، العروة الوثقیٰ 1: 650، أحکام القراءة، المسألة 22.
  • )) جامع المقاصد 2 : 261، العروة الوثقیٰ 1 : 650، أحکام القراءة، المسألة 22.
  • )) الخلل فی الصلاة، المحقّق الشیرازی: 194 / السطر 14.
  • )) تقدّم فی الصفحة 375 .
  • )) الخلل فی الصلاة، الإمام الخمینی قدس سره : 185 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 20 ـ 21 .