الفصل السابع فی مسألة الضدّ

إیقاظ : هل یمکن تقیید الأدلّة بالعلم، کالقدرة ؟

إیقاظ : هل یمکن تقیید الأدلّة بالعلم، کالقدرة ؟

‏ ‏

ربّما یقال:‏ بأنّ القوم کیف اعتبروا فی موضوع الأدلّة «القادر» فراراً عن‏‎ ‎‏المحذور العقلیّ، ولم یعتبروا ذلک فی العالم والجاهل، مع أنّ المحذور العقلیّ‏‎ ‎‏مشترک بینهما؟! فلابدّ من القول: بأنّ الموضوع «العالم القادر».‏

‏ومجرّد وجود المحذور العقلیّ الآخر من جعل الموضوع «العالم» لایستلزم‏‎ ‎‏الالتزام بالمحذور المزبور، فکما أنّهم لأجل ذلک المحذور العقلیّ ـ وهو الدور ـ‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 436
‏قالوا: «إنّ موضوع الأدلّة لیس الأخصّ بعنوانه، ویکون الحکم ثابتاً بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الجاهل لأجل الإجماع» فعلیهم أن یقولوا بذلک فی مثل القدرة؛ محافظة علیٰ‏‎ ‎‏إطلاقها، فیکون موضوع الأدلّة فی هذه المسألة مثله فی تلک المسألة.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ فی مثل القدرة، لا محذور عقلاً ولا إجماع علی‏‎ ‎‏الاشتراک، بخلاف العلم؛ فإنّه یلزم منه المحذور، مع وجود الإجماع علی الاشتراک،‏‎ ‎‏وبذلک یختلف العلم والقدرة‏‎[1]‎‏.‏

أقول :‏ سیظهر حقیقة هذه المسألة فیما یأتی من المقدّمات الهامّة فی توضیح‏‎ ‎‏هذا المسلک الشریف .‏

‏ونشیر هنا إلیٰ نکتة : وهی أنّ من الممکن جعل الحکم الإنشائیّ علیٰ کافّة‏‎ ‎‏الناس، ویکون العلم بهذا الحکم الإنشائیّ، سبباً لتعلّق الحکم الفعلیّ بالعالم، فما هو‏‎ ‎‏معلومه أوّلاً هو الحکم الإنشائیّ، وما هو المتأخّر عن علمه هو الحکم الفعلیّ،‏‎ ‎‏فلایلزم الدور والاستحالة المزبورة فی کلام الوالد المحقّق هنا أیضاً. فعلیٰ هذا‏‎ ‎‏موضوع الأدلّة هو «العالم» بهذا المعنیٰ، فلاتغفل.‏

‏ولکن لایخفیٰ علیک: أنّ هذه علیٰ طریق المماشاة، وإلاّ فسیتّضح من ذی‏‎ ‎‏قبل تمامُ ما هو الحقّ فی المقام‏‎[2]‎‏.‏

وبالجملة :‏ یمکن أن یکون الموضوع هو «العالم القادر» لما توهّموا: أنّ‏‎ ‎‏خطاب الجاهل والعاجز غیر ممکن وقبیح، ولایلزم من ذلک محذور الاستحالة فی‏‎ ‎‏ناحیة العالم أیضاً.‏

‏«‏والمقدّمة الخامسة :‏ أنّ الخطاب تارة: یکون خطاباً شخصیّاً، واُخریٰ:‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 437
‏خطاباً قانونیّاً‏‎[3]‎‏.‏

‏الخطاب الشخصیّ: هو الخطاب إلی الفرد الخاصّ، کالأوامر الصادرة من‏‎ ‎‏الموالی إلی العبید.‏

‏والخطاب القانونی: هو الخطاب إلی العناوین العامّة والموضوعات الکلّیة،‏‎ ‎‏کقوله تعالیٰ: ‏‏«‏یَا أیُّها الَّذِینَ آمَنُوا أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[4]‎‏ وهکذا، فإنّ ماهو مورد‏‎ ‎‏الخطاب عنوان واحد وهو ‏‏«‏النّٰاسُ‏»‏‏ أو ‏‏«‏الَّذِینَ آمَنُوا‏»‏‏ بمعنیٰ أنّ خطاب الکثیر‏‎ ‎‏لایتکثّر، ولایتعدّد، ولا ینحلّ إلی الخطابات الشخصیّة، بل الخطاب معنی جزئیّ‏‎ ‎‏صادر من المخاطِب ـ بالکسر ـ إلیٰ معنی وحدانیّ فی حال الخطاب، وذلک المعنی‏‎ ‎‏الوحدانیّ متکثّر بلحاظ ذات العنوان، وقابل للصدق علی الکثیر، ولایستلزم هذه‏‎ ‎‏الکثرة کثرة واقعیّة إجمالیّة فی الخطاب، علیٰ ما توهّمه القوم ـ رضی الله عنهم ‏‎[5]‎‏،‏‎ ‎‏والانحلال الحکمیّ غیر انحلال الخطاب، کما سیظهر إن شاء الله تعالیٰ‏‎[6]‎‏.‏

وبتوضیح منّا وتفصیل لازم :‏ أنّ هنا شبهاتٍ لابدّ من حلّها علی القول‏‎ ‎‏بانحلال الخطاب القانونیّ إلی الخطابات الکثیرة الشخصیّة، أو إلی الخطابات‏‎ ‎‏الصنفیّة، کصنف القادر والذاکر والعالم ونحوه.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 438

  • )) مقالات الاُصول 1 : 313 .
  • )) یأتی فی الصفحة 455 ـ 459 .
  • )) تهذیب الاُصول 1 : 307 .
  • )) المائدة (5) : 1 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 395 الهامش 1 .
  • )) یأتی فی الصفحة 450 ـ 451 .