إیقاظ : هل یمکن تقیید الأدلّة بالعلم، کالقدرة ؟
ربّما یقال: بأنّ القوم کیف اعتبروا فی موضوع الأدلّة «القادر» فراراً عن المحذور العقلیّ، ولم یعتبروا ذلک فی العالم والجاهل، مع أنّ المحذور العقلیّ مشترک بینهما؟! فلابدّ من القول: بأنّ الموضوع «العالم القادر».
ومجرّد وجود المحذور العقلیّ الآخر من جعل الموضوع «العالم» لایستلزم الالتزام بالمحذور المزبور، فکما أنّهم لأجل ذلک المحذور العقلیّ ـ وهو الدور ـ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 436
قالوا: «إنّ موضوع الأدلّة لیس الأخصّ بعنوانه، ویکون الحکم ثابتاً بالنسبة إلی الجاهل لأجل الإجماع» فعلیهم أن یقولوا بذلک فی مثل القدرة؛ محافظة علیٰ إطلاقها، فیکون موضوع الأدلّة فی هذه المسألة مثله فی تلک المسألة.
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ فی مثل القدرة، لا محذور عقلاً ولا إجماع علی الاشتراک، بخلاف العلم؛ فإنّه یلزم منه المحذور، مع وجود الإجماع علی الاشتراک، وبذلک یختلف العلم والقدرة.
أقول : سیظهر حقیقة هذه المسألة فیما یأتی من المقدّمات الهامّة فی توضیح هذا المسلک الشریف .
ونشیر هنا إلیٰ نکتة : وهی أنّ من الممکن جعل الحکم الإنشائیّ علیٰ کافّة الناس، ویکون العلم بهذا الحکم الإنشائیّ، سبباً لتعلّق الحکم الفعلیّ بالعالم، فما هو معلومه أوّلاً هو الحکم الإنشائیّ، وما هو المتأخّر عن علمه هو الحکم الفعلیّ، فلایلزم الدور والاستحالة المزبورة فی کلام الوالد المحقّق هنا أیضاً. فعلیٰ هذا موضوع الأدلّة هو «العالم» بهذا المعنیٰ، فلاتغفل.
ولکن لایخفیٰ علیک: أنّ هذه علیٰ طریق المماشاة، وإلاّ فسیتّضح من ذی قبل تمامُ ما هو الحقّ فی المقام.
وبالجملة : یمکن أن یکون الموضوع هو «العالم القادر» لما توهّموا: أنّ خطاب الجاهل والعاجز غیر ممکن وقبیح، ولایلزم من ذلک محذور الاستحالة فی ناحیة العالم أیضاً.
«والمقدّمة الخامسة : أنّ الخطاب تارة: یکون خطاباً شخصیّاً، واُخریٰ:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 437
خطاباً قانونیّاً.
الخطاب الشخصیّ: هو الخطاب إلی الفرد الخاصّ، کالأوامر الصادرة من الموالی إلی العبید.
والخطاب القانونی: هو الخطاب إلی العناوین العامّة والموضوعات الکلّیة، کقوله تعالیٰ: «یَا أیُّها الَّذِینَ آمَنُوا أوْفُوا بِالْعُقُودِ» وهکذا، فإنّ ماهو مورد الخطاب عنوان واحد وهو «النّٰاسُ» أو «الَّذِینَ آمَنُوا» بمعنیٰ أنّ خطاب الکثیر لایتکثّر، ولایتعدّد، ولا ینحلّ إلی الخطابات الشخصیّة، بل الخطاب معنی جزئیّ صادر من المخاطِب ـ بالکسر ـ إلیٰ معنی وحدانیّ فی حال الخطاب، وذلک المعنی الوحدانیّ متکثّر بلحاظ ذات العنوان، وقابل للصدق علی الکثیر، ولایستلزم هذه الکثرة کثرة واقعیّة إجمالیّة فی الخطاب، علیٰ ما توهّمه القوم ـ رضی الله عنهم ، والانحلال الحکمیّ غیر انحلال الخطاب، کما سیظهر إن شاء الله تعالیٰ.
وبتوضیح منّا وتفصیل لازم : أنّ هنا شبهاتٍ لابدّ من حلّها علی القول بانحلال الخطاب القانونیّ إلی الخطابات الکثیرة الشخصیّة، أو إلی الخطابات الصنفیّة، کصنف القادر والذاکر والعالم ونحوه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 438