الفصل السابع فی مسألة الضدّ

الشبهة السادسة

الشبهة السادسة :

‏ ‏

‏بناءً علی القول: بعدم انحفاظ الخطابات الکلّیة القانونیّة؛ بالنسبة إلیٰ حال‏‎ ‎‏الجهل والسهو والنسیان؛ وأنّه لایمکن تصویر الأحکام الفعلیّة بالنسبة إلیهم‏‎[1]‎‏، یلزم‏‎ ‎‏لغویّة حدیث الرفع‏‎[2]‎‏، وعدم الحاجة إلیه؛ ضرورة أنّ مع عدم وجود التکلیف ثبوتاً،‏‎ ‎‏لا معنیٰ لذلک قطعاً.‏

‏ومجرّد إمکان إیجاب الاحتیاط والتحفّظ‏‎[3]‎‏ لایکفی؛ لأنّه مع سکوت الشرع‏‎ ‎‏عنه، یحکم بعدم الوجوب عقلاً، فلا داعی إلی اعتبار الرفع، بل عدم الداعی إلیٰ‏‎ ‎‏جعل الاحتیاط کافٍ، کما هو الظاهر، فتأمّل.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ ظاهر حدیث الرفع، أنّ ماهو المرفوع حال الجهل، ثابت مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن حدیث الرفع؛ وأنّ الامتنان فی نفس رفع المجهول، لا فی الأمر‏‎ ‎‏الآخر؛ وهو عدم إیجاب الاحتیاط، والتحفّظ عن النسیان.‏

فإن قلنا :‏ بأنّ الخطابات العامّة القانونیّة، تستتبع الأحکام الفعلیّة بالنسبة إلی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 446
‏الکلّ علیٰ حدّ سواء، فیکون المنّة فی نفس الرفع المستند إلیٰ ‏«مالایعلمون».

‏ولکن کما أنّ مقتضیٰ سائر الفقرات أنّه رفع ادعائیّ؛ فإنّه لا معنیٰ لکونه رفعاً‏‎ ‎‏حقیقیّاً بالنسبة إلیٰ ‏«ما اضطرّوا إلیه، وما استکرهوا علیه»‏ کذلک بالنسبة إلی‏‎ ‎‏المجهول والمنسیّ فی الأحکام.‏

‏وکما أنّه رفع ادعائیّ بالنسبة إلی الموضوعات المجهولة والمنسیّة، کذلک رفع‏‎ ‎‏ادّعائی بالنسبة إلی الأحکام الثابتة فی موردهم حسب القانون الکلّی العامّ.‏

‏وأمّا علیٰ مذهبهم : من صرف تلک القوانین العامّة عن ظواهرها، فلابدّ من أن‏‎ ‎‏یکون الرفع بلحاظ الشمول الإنشائیّ، ویکون دفعاً حقیقة، وهذا واضح المنع؛ للزوم‏‎ ‎‏التفکیک فی الإسناد الواحد عرفاً.‏

‏ولعمری، إنّ الأصحاب لعدم تمکّنهم من تصویر الحکم الفعلیّ فی هذه‏‎ ‎‏الموارد، ارتکبوا ما ارتکبوا فقالوا: «إنّ الامتنان بلحاظ إمکان التضییق من ناحیة‏‎ ‎‏جعل التکلیف الآخر، أو الاحتیاط والتحفّظ»‏‎[4]‎‏ وأنت خبیر بما فیه من ظهور‏‎ ‎‏الغرابة؛ فإنّ الحدیث ناظر إلیٰ أنّ رفع ما لایعلمون منّة، لا الأمر الآخر الأجنبیّ.‏

‏وقالوا: «إنّ الرفع بلحاظ حال الإنشاء بالنسبة إلیٰ مثل الفقرة الاُولیٰ» مع أنّه‏‎ ‎‏لایمکن الرفع واقعاً ولو کان متعلّقه الإنشاء، فلابدّ وأن یکون مجازاً وادعائیّاً.‏

‏فعلیه، إذا أمکن تصویر التکلیف الفعلیّ بالنسبة إلی الفقرة الاُولیٰ وما شابهها،‏‎ ‎‏لکانوا یفرحون جدّاً؛ لحلّ هذه المعضلات المتوجّهة إلیهم الآتیة من قِبل عدم‏‎ ‎‏تمکّنهم من المحافظة علیٰ عموم القانون.‏

إن قلت :‏ مقتضیٰ إطلاق حدیث الرفع رفع جمیع الآثار، وعندئذٍ تلزم اللغویّة‏‎ ‎‏فی جعل الأحکام الفعلیّة فی تلک الموارد.‏

قلت :‏ هذا أیضاً من تبعات انحلال الخطاب؛ وحساب کلّ حال بخطاب‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 447
‏واحد، وإلاّ فاللغویّة الآتیة من ناحیة الإطلاق والعموم، لایجب الفرار منها، کما‏‎ ‎‏تحرّر منّا مراراً‏‎[5]‎‏، وما یجب الفرار منه من اللغویّة؛ هی لغویّة ذات الدلیل وتمام‏‎ ‎‏مفاده، فافهم واغتنم.‏

وبالجملة :‏ لایلزم من الجمع بین حدیث الرفع والقوانین الکلّیة، اختصاص‏‎ ‎‏التکلیف بالعالمین والذاکرین، حتّیٰ نحتاج إلیٰ ضمّ الإجماع من الخارج لإثبات‏‎ ‎‏الاشتراک، کما لایخفیٰ علی الفطن العارف.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 448

  • )) فرائد الاُصول 2 : 462، حقائق الاُصول 2 : 338 و340، أجود التقریرات 2 : 339.
  • )) الکافی 2 : 335 / 2، الخصال: 417 / 9، وسائل الشیعة 8 : 249، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، الباب 30، الحدیث 2 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 322 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 323، کفایة الاُصول : 386 ـ 387، نهایة الأفکار 3 : 213 .
  • )) یأتی فی الصفحة 452 ـ 454 ، ولاحظ تحریرات فی الفقه ، الواجبات فی الصلاة : 170 .