الفصل السابع فی مسألة الضدّ

المقدّمة الاُولیٰ : فی بیان أساس الترتّب وسبب الالتزام به

المقدّمة الاُولیٰ : فی بیان أساس الترتّب وسبب الالتزام به

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی تلک التقاریب، لابدّ من الإشارة إلیٰ مقدّمة مشتملة علیٰ‏‎ ‎‏ماهو مصبّ الترتّب، وماهوالمقصود منه رأساً:‏

‏وهی أنّ مقتضیٰ ما عرفت منّا فیما سلف: أنّ الأدلّة الشرعیّة إذا لم تکن‏‎ ‎‏متکاذبة فی مقام الدلالة ، فلا تکون متعارضة فیالاصطلاح، وإذا کانت ملتئمة فی‏‎ ‎‏مقام الإنشاء والجعل والقانون، فربّما یتّفق اصطکاکها فی مقام الامتثال کما عرفت،‏‎ ‎‏فإذا وقعت المزاحمة بینها فی مقام الامتثال علی الشرائط المعتبرة فی التزاحم‏‎ ‎‏بالتفصیل الماضی، فلابدّ من علاج التزاحم‏‎[1]‎‏.‏

فقالوا:‏ «إذا کان الدلیلان المتزاحمان متساویین فی الملاک، فمقتضیٰ حکم‏‎ ‎‏العقل هو التخییر؛ بأن یکون کلّ واحد من الدلیلین مقیّداً بعدم امتثال الآخر»‏‎[2]‎‏ أو‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 470
‏قالوا: «باستکشاف الحکم الواحد التخییریّ»‏‎[3]‎‏ فیکون التخییر شرعیّاً، لا عقلیّاً.‏

‏وإذا کانا أهمّ ومهمّ، فربّما یختلج بالبال سقوط المهمّ، وینحفظ الأهمّ؛ لامتناع‏‎ ‎‏الجمع، ویکون سقوطه مطلقاً؛ بحیث لو عصی الأهمّ بترکه، فلا شیء علیه من ناحیة‏‎ ‎‏ترک المهمّ، ولایکون مشروعاً فعله إذا کان عبادیّاً، فینحصر تکلیفه بالأهمّ.‏

‏ولکنّه مجرّد تخیّل عندهم ؛ لأنّ قضیة إدراک العقل هو الفرار من المحذور‏‎ ‎‏العقلیّ ـ وهو امتناع الجمع ـ بالمقدار اللازم، ولا وجه للزائد علیه؛ وذلک لأنّ إطلاق‏‎ ‎‏الأهمّ یدعو نحوه علی الإطلاق، وهکذا الإطلاق فی ناحیة المهمّ مع قطع النظر عن‏‎ ‎‏المحذور العقلیّ، فإذا لوحظ المحذور العقلیّ فلابدّ من رفع الید عن الإطلاق‏‎ ‎‏بالمقدار المعیّن، فکما فیما کانا متساویین یقیّد إطلاق کلّ واحد، ویکون کلّ واحد‏‎ ‎‏واجباً عند ترک الآخر، کذلک فیما نحن فیه، یقیّد إطلاق المهمّ بعصیان الأهمّ؛ حتّیٰ‏‎ ‎‏لایکون الزمان فارغاً ـ علی سبیل منع الخلوّ ـ عن أحد الأمرین؛ أحدهما: مطلق،‏‎ ‎‏والآخر: مشروط.‏

وإن شئت قلت :‏ القضیّة المتشکّلة هنا هی هکذا: «إمّا یکون العبد فی هذا‏‎ ‎‏الظرف والزمان الذی لایسع لهما معاً، مشغولاً بالأهم وفاعلاً للإزالة، أو یجب علیه‏‎ ‎‏فعل الصلاة؛ حتّیٰ لایفوت مصلحة المولیٰ عند التمکّن من فعل الصلاة بترک الإزالة».‏

‏وبذلک ترتفع غائلة لزوم الجمع بین الضدّین، وتنحفظ مصلحة التکلیف‏‎ ‎‏بالمقدار الممکن عقلاً، ویقع التقیید بالمقدار اللازم حسب درکه، لا الزائد علیه.‏

وأیضاً :‏ بمثله ترتفع شبهة الشیخ البهائیّ ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً علیٰ ثمرة مسألة الضدّ‏‎[4]‎‏.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ الشبهة المزبورة تنقلب حینئذٍ؛ وذلک لأنّ موضوع‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 471
‏المسألة کان «إنّ الأمر بالشیء هل یقتضی... أم لا؟» وإذا سقط الأمر بالأهمّ فلایبقیٰ‏‎ ‎‏محلّ للنهی عن الضدّ؛ لأنّه نهی تبع الأمر بالشیء، فإذا اشتغل المکلّف بالصلاة‏‎ ‎‏تکون صحیحة علیٰ أیّ تقدیر؛ لأنّها مورد الأمر، ولا نهی متوجّه إلیهما؛ لعدم الأمر‏‎ ‎‏بالإزالة ولو کان مقتضیاً للنهی عن الضدّ، فافهم واغتنم.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ المسالک المذکورة فی المقام حول هذه الشبهة علیٰ صنفین:‏

أحدهما :‏ ما یتعرّض لحلّ مشکلة الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ بإمکان الاستثمار من بحث‏‎ ‎‏الضدّ، وهو مثل ما أفاده الکرکیّ ‏‏قدس سره‏‎[5]‎‏. ولایکون جواباً عنها؛ لتقدّم عصره علیٰ‏‎ ‎‏عصر الشیخ ، ومثل ما ذکرناه من إمکان الاستثمار فیالمعاملات‏‎[6]‎‏، وهکذا ما أشرنا‏‎ ‎‏إلیه أخیراً.‏

‏ثانیهما: ما یکون متکفّلاً لغائلة لزوم الجمع بین الضدّین، ولإنکار هذا‏‎ ‎‏الاستلزام المفروغ عنه فی کلامه، وهذا مثل ما سلکناه: من إسقاط الأمر بالأهمّ عند‏‎ ‎‏الاشتغال بالمهمّ، لا بالعصیان‏‎[7]‎‏، مثل ما سلکه الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : من إثبات‏‎ ‎‏بقاء الأمرین العرضیّین من غیر لزوم المحذور رأساً‏‎[8]‎‏، ومثل ما یعبّر عنه‏‎ ‎‏بـ «الترتّب» من الفرار من کون التکلیفین مطلقین فی المتساویین، ومن إطلاق المهمّ‏‎ ‎‏إذا کان الآخر أهمّ، وعند ذلک لایکون تزاحم بینهما بالضرورة.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 472

  • )) تقدّم فی الصفحة 357 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 366، وقایة الأذهان : 301 ـ 302، مناهج الوصول 2 : 29.
  • )) لاحظ أجود التقریرات 1 : 279 .
  • )) زبدة الاُصول: 99 .
  • )) جامع المقاصد 5 : 12 ـ 13 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 342 ـ 343 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 351 ـ 355 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 23 .