الفصل السابع فی مسألة الضدّ

المقدّمة الثانیة : فی بیان المورد المسلّم الذی یجری فیه الترتّب عندهم

المقدّمة الثانیة : فی بیان المورد المسلّم الذی یجری فیه الترتّب عندهم

‏ ‏

‏إذا تبیّن لک أساس مقالة الترتّب، وما هو الداعی عندهم إلی الالتزام به، لابدّ‏‎ ‎‏من ذکر مقدّمة اُخریٰ محتویة علی المورد المسلّم عند الکلّ، الذی یجری فیه‏‎ ‎‏الترتّب عند القائلین به، ثمّ نردفه بالتقاریب الممکنة، فإن أمکن الالتزام به فی‏‎ ‎‏ذلک المورد، فلنا البحث عن سائر الموارد المختلف فیها، وإلاّ فلا داعی لإطالة‏‎ ‎‏البحث حولها:‏

‏وهی أنّ الذی لاشبهة فیه: أنّ نفس جعل عصیان تکلیف ، شرطاً لفعلیّة‏‎ ‎‏التکلیف الآخر، ممّا لا محذور فیه، فیصحّ أن یکون عصیان أمر صلاة الظهر مثلاً،‏‎ ‎‏شرطاً لوجوب القضاء، أو عصیانُ أمر الصلاة مثلاً شرطاً لوجوب القضاء علی‏‎ ‎‏الولیّ وهکذا.‏

‏فما هو مورد المحذور العقلیّ، لیس نفس الترتّب ولو کان بین المترتّب‏‎ ‎‏والمترتّب علیه تأخّر زمانیّ؛ فإنّ مع التأخّر الزمانیّ یصحّ هذا، وهو لیس مورد‏‎ ‎‏إنکار المنکرین.‏

‏والذی لا إشکال عندهم أیضاً: هو أنّ «الترتّب» المقصود هو الترتّب العِلّی؛‏‎ ‎‏بمعنیٰ کون زمان العلّة والمعلول زماناً واحداً، فیکون بین المترتّب والمترتّب علیه‏‎ ‎‏تأخّراً بالمعلولیّة، وتقدّماً بالعلّیة، أو ما بحکمها، کتقدّم الشرط علی المشروط.‏

‏فعلیٰ هذا، فی الواجبـین اللّذین یکون أحدهما أهمّ ، والآخر مهمّاً، وکان‏‎ ‎‏زمان وجوب الأهمّ والمهمّ واحداً، ولکن یتقدّم أحدهما علی الآخر نحو التقدّم‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 473
‏بالعلّیة، قالوا: «بأنّه لایلزم منهما الجمع بین الضدّین مثلاً؛ إذا کان أوّلَ زوال یوم‏‎ ‎‏الجمعة إزالة النجاسة من المسجد واجباً، وکان فیها وجوب الصلاة مشروطاً‏‎ ‎‏بالعصیان، فإنّه بعصیان الأهمّ تکون العبادة مأموراً بها، مع وحدة زمان التکلیفین،‏‎ ‎‏وترتّب أحدهما علی الآخر»‏‎[1]‎‏.‏

‏وهذه الصورة من الصور الکثیرة التی اُجری فیها الترتّب عند أربابه، وهی‏‎ ‎‏مورد نظرنا هنا نفیاً وإثباتاً، ومحطّ البحث.‏

إن قلت :‏ هذا المثال مورد المناقشة کما مضیٰ سبیله؛ ضرورة أنّ فعل الإزالة‏‎ ‎‏واجب فوراً ففوراً ، فإذا کان العصیان الأوّل شرطاً یلزم المحال والمحذور العقلیّ.‏

‏وإذا کان العصیان إلی انتفاء موضوع الإزالة شرطاً، فیتأخّر وجوب الصلاة‏‎ ‎‏عنه تأخّراً زمانیّاً.‏

‏وإذا کان العصیان المتأخّر شرطاً للوجوب المتقدّم، فهو أیضاً یستلزم‏‎ ‎‏المحذور الآخر‏‎[2]‎‏.‏

قلت :‏ نعم، ولکنّ المقصود أرباب الترتّب؛ إثبات صحّة الصلاة التی اشتغل‏‎ ‎‏بها المکلّف فی أوّل الزوال، فیکون الشرط هو العصیان الأوّل، ولا نظر إلی‏‎ ‎‏العصیانات المتأخّرة إذا فرض أنّ وجوب الإزالة فوریّ، ویسقط بالعصیان،‏‎ ‎‏ولایکون من فور ففور.‏

‏ولک فرض المسألة علیٰ وجه آخر أیضاً؛ حتّیٰ لایتوجّه إلیها المحذور‏‎ ‎‏المزبور: وهو کون العصیان الآخر المنتهی إلی انتفاء موضوع الإزالة، مقارناً لأوّل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 474
‏الزوال، فإنّه إذا کان شرطاً یلزم الترتّب العقلیّ؛ لأنّ فی أوّل الزوال الأمر بالأهمّ‏‎ ‎‏باقٍ، والأمر بالمهمّ أیضاً موجود فی ذلک الزمان، ومتأخّر رتبة؛ لتخلّل الشرط‏‎ ‎‏بینهما؛ وهو شرط عصیان الأهمّ.‏

فتحصّل إلی الآن :‏ أنّ هذه الصورة، مورد إجراء قانون الترتّب عند القائلین‏‎ ‎‏به اتفاقاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 475

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 360، نهایة الأفکار 1: 375، محاضرات فی اُصول الفقه 3 : 110 .
  • )) لاحظ مناهج الوصول 2 : 50 ـ 52، محاضرات فی اُصول الفقه 3 : 106 ـ 109 .